![]() |
معاذ عبدالحميد |
معاذ عبدالحميد *
(مسابقة طرق تعزيز التسامح والتعايش في المجتمعات العربية)
عندما أنظر لمنطقتنا العربية بعين التحليل الاجتماعي لتبين أسباب انتفاء ثقافة التسامح والتعايش في بعض المجتمعات، أرى عنصر التفسير الديني الخاطئ الذي اجتاحنا فكرياً على مدار سنوات مستعيناً بتغلغل اجتماعي عميق ساعد في زرع أفكاره وسط أفراد مجتمعاتنا كسمّ بطيء المفعول، عندما يلفظ المجتمع كل ما يخالف أفكاره ومعتقداته لا يصبح الأمر صدفة أو تفسيراً جماعياً خاطئاً بل نتاج عمل سنوات من ترسيخ نظرة العين الواحدة، المساجد الصغيرة غير المرخصة والجمعيات الاجتماعية ذات الأسباب الباطنية التي كانت أداة مباشره لترويج تلك السموم الانعزالية، وكانت سبباً مباشراً في تحريض الأفراد لتبني تلك الثقافة بشكل فردي حتى وصلنا للحظة الحالية.. انتفت تلك التنظيمات بسبب السياق السياسي الجديد للمنطقة، ولكن أفكارهم مازالت تنمو وتروى بماء أفراد غير مؤدلجين استقوا الفكرة، وأصبحوا قادرين على نشرها وحدهم.
ما ينشر التسامح والتعايش هو رؤية الآخر والتفاعل معه.. في منطقتنا يطرح الآخر كمفهوم وليس كشخص من لحم ودم، شَبَح لا نراه بل نسمع عنه، هذا الغموض يسهم في ترك مساحة خالية تسمح لمناهضي التعايش بتشكيلها كما يريدون، وسط الغموض يمكن لأي شخص أن يشيطن أي شيء، التفاعلات المباشرة مع الآخر هي ما يكسر هذا الثلج.
الأمم الانعزالية لا تنتج ثقافة تسامح وتعايش بل تنتج ثقافة انكفاء على النفس وتعطي فرصة ذهبية لدعاة الانعزال لفرض تصورهم على المجتمع الذي لا يدرك البديل، الإنسان بطبعه يخاف الغريب، مسألة جينية ورثناها من الإنسان الأول الذي كان الغريب له بمثابة تهديد بالموت، ولكن مع الحضارة وتطوير الفكرة الإنسانية كان لزاماً على مجتمعاتنا أن تكون أكثر انخراطاً مع الثقافات الأخرى، أي فكرة تشيطن الأخر ستذوب كالجليد إذا ما تم اختبارها كسردية نظرية أمام الآخر المادي إذا تقابلا وجهاً لوجه، العالم مليء بالاختلافات والأفكار المتباينة، وإذا مدت جسور للتواصل معه فلن نتخطى فكرة التسامح والتعايش فقط، بل ستبدو فكرة بديهية بالنسبة لما سيخلقه هذا التفاعل مع تطوير للأفكار والشخصيات سواء لنا أو للآخر، كسر الانعزال والتفاعل المباشر هو السبيل لترسيخ التسامح والتعايش بشكل أسرع مما يمكن أن تؤدي له ألف محاضرة وكتاب يحدثنا عن الأخر الشبحي الذي لا نراه.
* بكالوريوس إدارة وأنظمة معلوماتية، مصر
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق