ربيع مرشد: من دروس السنونو - باث أرابيا patharabia

Last posts أحدث المواد


11/29/2022

ربيع مرشد: من دروس السنونو

مشاهدة
ربيع مرشد

ربيع مرشد *

(مسابقة تأثير هجرة العقول على الدول العربية وطرق استقطابها)

الدور الحجريّة القديمة المليئة بالحكايات، يبنيها السنونو من لعابه المجبول بالقشّ والتراب والحنين، لكن الغرابة لا تكمن هنا؛ إنّما بالعودة بعد اكتمال ريش الفراخ، ومن ثم قدرتها على الطيران لتهاجر مع الأب والأمّ، وفي الربيع التالي، ترجع الأبناء إلى العشّ نفسه بالسليقة الرائعة لتتزاوجَ في العشّ الخالد؛ يا له من درسٍ عظيمٍ!

دعونا ننسى السنونو قليلاً، ونلتفت نحو شبابنا الهارب من وطنه مُرغماً، ولأسباب معيشيّة وأمنيّة وفكريّة مُقنِعة. إنّ هذا الجزء الرئيس من المجتمع، والمحرّك الحقيقيّ للحياة، والذي غُبن بأوطانٍ لم تُقدِّر فكره المُتّقِد، فحَمَلَ شعلته وحلمه وطار بهما قبل أن يحترق جوفُهُ، وينفجر قلبه. وهناك.. حيث تغرق الشمس، قوبل بالحفاوة والاحترام والتقدير، لا لشيء، بل لأنّه يحمل من القيمة ما يدفع بتلك المجتمعات قدماً إلى الأمام.

كم هو مؤلمٌ أن ينزف جسدك، ويخسر دماءه العزيزة! كم رأينا الوطن يرفرف بمنديل الوجع مودّعاً أبناءه! كم كفكف دموعه وعضّ على جراحه بصمت! لكن لماذا؟

نعم، هذا هو السؤال: لماذا؟

لماذا ترجع السنونو وهم لا يعودون؟

الأمر بسيط ومعقّد في آن: بسيط عندما تلتفت بعض حكوماتنا للأسس الحقيقيّة والاستثمار في الإنسان، والبناء عليه بناءً حقيقيّاً، عندها فقط سوف ينهض شبابنا من تحت الرماد. الاحتفاظ بنا نحن الشباب من خلال احترام قدراتنا، وتقدير مقدّراتنا، والتخطيط الواعي والحذق لمشاريع حقيقيّة ناهضة تجعل من الصناعيّين طبقة أولى، وليست أخيرة، ومن المزارعين صمّام أماننا الغذائيّ. قطع يد كلّ من تسوّل له نفسه سرقة الوطن.. وما أكثرهم في بعض الأمكنة! أن نُقدِّم للمُعلّم الإجلال والاحترام، سواءٌ في التقدير المعنويّ أم في الدعم الماديّ الذي يقيه شرّ العوَز. عندما نحتفي بباقة ورد للعالمة ذات المريول الأبيض، وصاحبة النظّارة السميكة، وليس لعارضة الأزياء. حين نمنع عن أطفالنا الوسائل الإلكترونية، ونقرأ لهم القصص الخالدة قبل النوم.. الخ، ومعقَّد حين نعكس ما تقدّم كلّه.

وأخيراً، حين نحترم شعلة شبابنا، ونضعها في ميزان الاهتمام، عندها فقط؛ سوف ترجع السنونو إلى بيوتنا الدافئة لتقف فوق أكتافنا.. سعيدةً فخورة، وآمنة.

* بكالوريوس تاريخ، كاتب، سوريا

                اضغط هنا للمشاركة في جائزة أقلامكم - نوفمبر 2022

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق