![]() |
ساجد المسلماوي |
طرطوس، سوريا: حسام الساحلي
غاية النّقد ليست البحث عن العيوب في النّص الأدبيّ، وإنّما دراسة فاحصة بقصد تعرّف مستوى الجودة، أو الضّعف، وتقدير القيمة الحقيقيّة للعمل المدروس، وتوجيه كاتبه إلى تفادي الأخطاء ذاتها في الأعمال المقبلة.
حول أهميّة النّقد، وأدواته، وكيف يدفع عجلة الأدب للأمام، وحول ردود فعل الكتّاب من النّقاد، الّذين يحلّلون نصوصهم بمصداقيّة؛ تواصلت "باث أرابيا" مع النّاقد العراقي الأستاذ ساجد المسلماوي، وهو كاتب وناقد أدبي في مجال القصّة، صاحب سلسلة عين الرقيب في النّقد التّطبيقي للقصّة القصيرة جداً، عقب مسابقات هذا الجنس الأدبي المطروحة على صفحات وسائل التّواصل الاجتماعي، والّتي وُثِّق بعضها ورقيّاً ضمن كتاب (عين الرّقيب - الجزء الأوّل)، الّذي طبع في عمّان خلال شهر فبراير/ شباط من العام 2022، إضافة إلى كتاب (نفض التّراب) وهو مجموعة قصصيّة قصيرة، وغيرها الكثير من المقالات النّقدية المتخصّصة في مختلف وسائل الإعلام المقروءة. ناهيك عن كون الأستاذ ساجد عضواً مهمّاً في أغلب لجان التحكيم الرّصينة التّابعة لمختلف الرّابطات، والمنتديات المهتمّة بالقصّة القصيرة جدّاً منذ العام 2015، حتّى الوقت الحاضر.
الكتابة والنّقد صنوان لا يفترقان
يفتتح الأستاذ ساجد حديثه: "الكتابة أو (صناعة النّص)، والنّقد صنوان لا يفترقان، ولا يمكن بأي حال من الأحوال التفضيل بينهما لسببين: الأول: الاختلاف الوظيفي، والتّوظيفي؛ فالكتابة ترتقي بالمشاعر، والخلجات، وتساهم في الرّقي الفكري لجمهور المتلقين، وهي تشبه شجرة الفاكهة المثمرة الّتي تطرح الطّازج، وغير النّاضج، أو المتعفّن، بينما يرتقي النّقد بمستوى كتابة النّص بما يشبه الغربال بأبسط تعريف، فهو وحسب مثالنا المطروح هنا تفرز الثّمار النّاضج، والطّازج عن غيره المرفوض". أمّا عن السّبب الثّاني فقد أخبرنا الأستاذ ساجد: "اختلاف الأدوات، والأسلوب، فالكتابة الجيّدة بحاجة إلى موهبة فذّة، وثقافة عالية، وسعة مخيلة.. بينما النّقد يحتاج إلى منهجيّة مدروسة، وقدرة على التّحليل، والتّأويل. ومدارس النّقد على مدى العصور تعدّدت، وتطوّرت.. وبذلك فالمشهد الثّقافي بحاجة للاثنين، ولا يمكن التّفضيل بينهما، ويكمل بعضهما بعضاً".الأدوات النّقدية اللازمة لسبر النّصوص
يتابع الأستاذ مسلماوي حديثه: "من خلال ممارستنا لنقد القصّة القصيرة، والقصّة القصيرة جدّاً نعتمد على: الكشف عن الثّيمة، ومدلولاتها، والبيئة الّتي ولدت فيها، وعناصرها، إضافة إلى تعدّد التّأويلات، والّتي يمكن أن يتغيّر منها الهدف. وأركّز على دور المفارقات، وما تخلقه من آفاق متعدّدة للدّهشة.. كذلك هناك موضوع مهم جدّاً وهو اللغة، واختزالها، وبلاغتها، وانزياح ألفاظها، وعلامات التّرقيم.. ولا ننكر أهميّة مدى علاقة العنونة بالمتن، ومن حيث توسيع أفق الرؤية، وخلق مساحة أكبر للمتلقّي ليعيش أجواء الثّيمة، والتكثيف (فيما يخص القصّة القصيرة جدّاً)، وهو يعد من وجهة نظرنا أهمّ أركانها".مستويات تقييم النّصوص
"المستوى الأول، وهو الثّيمة، وتعقيداتها النّاتجة عن تكرارها عبر الزّمن، والأهم ما يقدّم من جديد يضاف إلى المتراكم عبر السّنين، أما المستوى الثاني؛ فهو البنية، وتشمل: الأركان، والأسلوب، والصّياغة، والتكثيف، والمفارقة، أمّا بالنسبة للمستوى الثالث فهو اللغة، وقواعدها، واختصاراتها، وكم الزّيادات، والحشو، والاسترسال غير المرغوب، وعلامات التّرقيم، وأخيراً المستوى الرابع، وهو يتعلّق بالعنونة، ومدى علاقتها بالمتن، والثّيمة، وهذه من تقييمات، وتحليلات النّقد التّطبيقي الذي نهتم به كثيراً".هل يولد النّقد شرارة خلاف بين النّاقد ومؤلف النّص؟
يركّز الأستاذ ساجد كثيراً على هذا المحور، ويردّ على ضوء تجربته الطّويلة في مجال النّقد: "نعم، موضوع على قدر كبير من الأهميّة، فالشّخصنة، وعدم تقبّل الرّأي الآخر أصبحت من أمراض العصر والأدب المستعصية، فنلاحظ الكثير من ردود الأفعال، والمواقف المحتدّة التي قد تصل إلى تراشق الاتّهامات، والشّتائم، لمجرّد أن تحوّلت بوصلة النّقد من المديح إلى الذّم بحسب وجهة نظر بعض الكُتّاب.. وهناك أمران مهمّان يجب قولهما في هذا الخصوص؛ الأوّل: أنّ النّقد أساساً ليس مديحاً، ولا ذمّاً، إنّما هو أداة تحليليّة تكشف بواطن النّص، ومواطن جماله، ونقاط ضعفه، وهناته دون الحكم عليه، لأنّ الهدف الأسمى للنّقد هو التّقويم، وليس التّقييم.. الثّاني: إنّ شخصنة النّص النّقدي من قبل الكاتب يعد نقصاً في ثقافته، ويجعله يراوح في مكانه، لأنّ الملاحظات النّقديّة في حقيقة الأمر تدفع باتجاه تطوير أدوات الكاتب، وعدم تكرار أخطائه السابقة.. وعلى مدى أكثر من خمسة عشر عاماً في هذا المجال تعرّضنا لكثير من ردود الأفعال الشّخصيّة التي أدّت إلى حدوث خلافات شخصيّة، لا اختلافات في وجهات النّظر! وهو أمر غير صحّي، إنّما لم تتوقّف عجلة الكتابة والنّقد بتاتاً".
تكريم المسلماوي في مهرجان ذي قار
كيف يدفع النّقد عجلة الآداب للأمام؟
يختتم الأستاذ ساجد حديثه: "إنّ النّقد يجب أن يعتمد على منهجية واضحة ومحدّدة بحسب الجنس الأدبي المدروس، وقد ساهمت المدارس النقديّة المتعددة؛ خاصّة في حقبة الحداثة، وما بعد الحداثة في تطور بنى النّصوص، والمستوى الثّقافي، وحتّى الفلسفي للكتّاب، وكذلك ساهمت في تمهيد الطريق لاكتشاف مساحات جديدة في الكتابة وصلت إلى مستوى التّنظير، والتّجنيس لأنواع جديدة في الكتابة، وقد تكون القصّة القصيرة جدّاً، الحاضرة مثالاً حيّاً لما قلنا: إنّ عدم مدّ جسور تواصل بين الكاتب والنّاقد يؤدّي إلى الرّكود، والتّكرار، والاجترار في الكتابة، وهنا تكمن أهميّة النّقد كأداة مقوّمة، ومطوّرة بعيداًعن التّقييم، والتحكيم".
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق