أسامة إبراهيم: أزمة الهويّة الإنسانية العربية وسُبُل تعزيزها - باث أرابيا patharabia

Last posts أحدث المواد


12/28/2022

أسامة إبراهيم: أزمة الهويّة الإنسانية العربية وسُبُل تعزيزها

مشاهدة
أسامة إبراهيم

أسامة إبراهيم *

(مسابقة أهمية القيم الإنسانية في بناء شخصية الشباب العربي)


لقد كانت مجاعة رهيبة تلك التي حدثت عام 1914. حصد الجوع آلاف الضحايا ببطءٍ مقيت نتيجة عجزهم عن اقتناء سلعة ثمينة كالخبز! في خضمّ ذاك المستنقع، اشتكى عامل توزيع الخبز إلى البطريرك غريغوريس حداد كثرة المسلمين المحتاجين، فأمسك الأخير رغيفاً وقلّبه بين يديه وقال: "هل كتب عليه للمسيحيين فقط؟".

في عصر الصور الإعلاميّة المختلقة الحالي، تشعر العقلية والهويّة العربية بدونيتها تجاه بقيّة الثقافات الأكثر تحضراً نتيجة عدم تكريس هذه الحوادث الإنسانية مقابل التشديد على "وحشيّة" أو "تخلّف" البيئة العربية. ولنبدأ بالسؤال، أيختلف المجتمع العربي عن مثيليه الياباني والألماني اللذين أعادا بناء وطنيهما عبر مبادئ إنسانية كالتعاون والغيريّة وتفضيل المصلحة العليا؟

الإجابة الحتميّة الوحيدة لهذه المقاربة الاجتماعية هي: لا يوجد اختلاف، إذ شاهد العالم القيم النبيلة للمجتمع المصري حين استقباله المهاجرين السوريين. نستنتج من هذه المقاربة الاجتماعية أن الاختلاف هو في تعزيزها، وتعزيزها هو الخطوة الأولى لبناء المجتمع، فالحضارات لا تقوم دون أخلاق اجتماعية وإنسانية كالتعاون والتكافل، والمجتمعات لا يحفظها إلا أخلاق أفرادها. إذن، إنَّ تعزيز القيم الإنسانية لدى الفرد العربي هو بناءٌ لمجتمعٍ حضاري متقدم، إذ "لا يحيى الله في المباني بل في قلوب البشر" طبقاً لجوناثان ساكس.

من الناحية النفسية، سيقود تكريس القيم الإنسانية وتطبيقها إلى بناء شخصية عربية متوازنة وسعيدة. وتدعم الدراسات هذا الرأي؛ حيث يؤكد بحث أقيم حول تأثير الأفعال الإنسانية نشر في مجلة علم النفس الإيجابي، أنّ العمل الإنساني يزيد الشعور بالرضى ومتوسط العمر ويخفض الاكتئاب وضغط الدم.

وبالطبع سيغير الفرد الإنساني والمجتمع المتحضر من الصورة النمطية الإعلامية للبيئة العربية. ولنا في اليابان خير مثال حينما أطرى العالم أجمعه رقي أخلاق الجمهور الياباني لتنظيفه الملعب عقب انتهاء مباراة فريقه الوطني في كأس العالم الأخير، فطيبُ الفعل هو نعم الإرث وخير دعاية.

وهكذا، فبناء شخصية عربية متوازنة وإيجابية تنهضُ بمجتمعٍ متماسكٍ ومحبوب يتطلب قيماً إنسانية ونبيلة، فإنما الأمم الأخلاق كما يقول أحمد شوقي، ولا تمتحى الصورة النمطية للعرب إلا بتكريس نقيضها.

* ماجستير في الأدب الإنكليزي، مترجم ومهتم بالكتابة، سوريا


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق