باريس: فابيولا بدوي
يتحدث البعض عن الغربة والاغتراب بعبارات عامة وكأنها أحلام وإحباطات وظروف واحدة، بينما الواقع بعيد كل البعد عن هذه النظرة الضيقة التي غالباً ما تضع كل العوامل الحياتية والنفسية للشباب المهاجر في سلة واحدة.
في محاولة للاقتراب من جزء من أرض الواقع، رصدت عدسة "باث أرابيا" بعضاً مما يحدث في الشارع الرئيس بمنطقة (93) من الضواحي الباريسية، وهي إحدى المناطق التي يعدها الكثير منطقة خطرة إلى حد ما، ويصفها رجال الشرطة بأنها "إحدى المناطق الساخنة" التي يقطنها المهاجرون وغالبيتهم من العرب خصوصاً شمال أفريقيا.
في هذه المنطقة معظم السكان مهاجرون من سنوات طويلة، والبعض منهم حضر أهلهم عنوة وقت الاحتلال الفرنسي لبلدان شمال أفريقيا خصوصاً الجزائر والمغرب.. شباب الحي ولدوا به وبعضهم لا يعرف غيره ولا يريد أن يعرف.
![]() |
تجمع الشباب في الشارع بمنطة 93 |
يتحدثون الفرنسية بشكل جيد إلا أن سوادهم الأعظم لا يعرف الكتابة والقراءة بشكل جيد، إذ يجهل معظمهم قواعد اللغة الفرنسية لسبب بسيط وهو التسرب من المدارس مع بداية المرحلة الإعدادية.
بمجرد التجول في هذا الشارع الرئيس يلحظ الغريب عن الحي اختلافاً كبيراً بينه وبين شوارع باريس، حيث الزحام على الأرصفة، المقاهي لا تجلس عليها النساء، بل هي محتلة تماماً من الرجال الذين لا يعمل أغلبهم بانتظام مكتفين بالمساعدات الاجتماعية. ليست المقاهي وحدها هي المختلفة بل انتشار المحال التي تبيع المأكولات العربية، أو المطاعم الصغيرة التي تنتشر على جانبي الطريق للشاورما أو الكباب كما يطلق عليه الأتراك، على الرصيف يقف بائع الذرة المشوية وعلى مسافة قريبة منه يمكن رؤية القبعات أو الأحزمة وغيرهما يفترشها شخص على الأرض.
أما رؤية سيارات الشرطة تجوب المنطقة أو شرطة البلدية بملابسها المدنية فهو أمر عادي جداً، ليس للتأمين بل للقبض على الشباب الذي لا عمل له سوى بيع السجائر المهربة علناً في وضح النهار، ففي حين يصل ثمن علبة السجائر لدى الباعة (10.5 يورو) تباع لديهم بخمسة يورو فقط. وهؤلاء، بحسب ما ذكر لنا رشيد (أحد الشباب الجزائري) أقل شروراً مثل هذه المناطق، فما هي إلا وسيلة لكسب المصروف اليومي وتخفيف العبء عن العائلة، فلا يوجد عمل و"العنصرية تحاصرنا دائماً"، ويسترسل رشيد معنا غاضباً: الشرطة تطاردنا كل يوم، بينما تترك الأخطر منا في الشوارع المجاورة حيث القتلة ومحترفي السرقة وأحياناً بالإكراه.
في هذه المناطق كل شيء يمكن إحالته إلى الظلم والعنصرية، وليس إلى التسرب من المدارس والانقطاع عن التعليم وعدم وجود أي رغبة لدى المراهقين في تعلم حرفة، فأسهل الأشياء التي يتعلمها المراهق هو مراقبة أطراف الشوارع للتنبيه باقتراب وصول الشرطة.
هؤلاء الشباب لا يجدون أنفسهم، فقد انقطعوا عن أوطانهم الأم منذ الأجداد، ويحملون في أعماقهم مشاعر بالغبن تجاه المستعمر جراء القصص التي يرددها على أسماعهم الأهل منذ الصغر، يشبون وهم يحملون الجنسية لكنهم لا يشعرون بالانتماء إلى فرنسا، يحلمون لكن أحلامهم تتقلص مع الكبر ليغدو الحلم الأكبر هو أن يتحول بائع السجائر المهربة منهم إلى تاجر أو مهرب كبير، وما بين الحجز في أقسام الشرطة والمشاجرات الدائمة بين هؤلاء الشباب.. تسير بهم الحياة، فلا هم مواطنون ولا هم بالمغتربين.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق