![]() |
محمود خلف محمد |
محمود خلف محمد *
(مسابقة متطلبات الأمن والأمان التي يحتاجها الشباب العربي)
لَا يَنْفَكُّ الشُّعُورُ بِالْأَمَانِ لِيَتَحَقَّقَ عَنْ حَاجَتِهِ لِلْعَدْلِ، فَكَمَا يعْصِفُ الشِّتَاءُ بِالْأَجْسَادِ، فَيصِيْبُهَا بِالرِّعْدَةِ، والْقُشَعْرِيْرَةِ؛ تَعْصِفُ الْأَزَمَاتُ بِالْقُلُوبِ، فَتُصِيبُهَا بِمَا أَصَابَ بِهِ الشِّتَاءُ الْأَجْسَادَ، وَكَمَا تَفِرُّ الْقُلُوبُ مِنْ بَرْدِ الشِّتَاءِ، وَقَسْوَتِهِ إِلَى الشَّمْسِ مَا طَلَعَتِ الشَّمْسُ، وَإِلَى مِدْفَأَةٍ مَا غَابَتْ؛ تَفِرُّ الْقُلُوبُ إِلَى شَمْسِهَا الْخَاصَّةِ، وَمِدْفَأَتِهَا الْخَاصَّةِ، وَهُمَا وَجْهَان ِلشَيْءٍ وَاحِدٍ اسْمُهُ: الْعَدْلُ.
فَالْعَدْلُ هُوَ الشَّمْسُ الَّتِي تُلْقِي فِي قَلْبِ الْمُجِدِّ الْخَافِقِ مِنَ السَّعْيِ، وَالْكَدِّ نُوْراً يُنِيْرُ أَرْجَاءَهُ، وَدِفْئاً يَلُفُّ أَعْضَاءَهُ، ويُخْبِرُهُ أَنَّ َسَعْيَهُ، وَكَدَّهُ لَنْ يَضِيْعَ هَبَاءً، وَلَنْ يَذْهَبَ سُدًى، وَأَنَّ زَرْعَهُ المَسْقِيَّ بٍأَمْوَاهِ عَرَقِهِ، وَدُمُوْعِ صَبْرِهِ لَنْ تَحْصِدَ سَنَابِلَهُ يَدٌ غَيْرُ يَدِهِ، وَأَنَّ رَبِيْعَ غَرْسِهِ لَنْ يُحْرَمَ فُوْهُ مَذَاقَ جَنَاهُ.
والْعَدْلُ هُوَ الْمِدْفَأَةُ الَّتِي إِذَا غَابَتِ الشَّمْسُ لِلَيْلٍ، أَوْ لِغَيْمٍ؛ أَضْرَمَتْ نِيْرَانَهَا لِتُخَفِّفَ مِنْ وَطْأَةِ بَرْدِ الخُوْفِ مِنَ الْمُسْتَقْبَلِ فِي شِتَاءِ الْأَزَمَاتِ، وَأَشْعَلَتْ أَنْوَارَهَا لِتُنِيرَ الطَّرِيْقَ حَتَّى يَنْجَلِيَ الْغَيْمُ، وَيَنْسَلِخَ الْلَيْلُ، وَتَعُوْدَ الشَّمْسُ بِنُوْرِهَا، وَحَرَارَتِهَا.
وَمَا بَيْنَ شَمْسِ الْعَدْلِ، وَمِدْفَأَتِهِ تَنْتَقِلُ الْقُلُوبُ الْمُجِدَّةُ حَتَّى يَذْهَبَ الشِّتَاءُ الَّذِي لَا يَلِيْهِ إِلَّا الَّرَبِيْعُ، فِإِنْ غَابَتْ شَمْسُ الْعَدْلِ فِي جَوْ الشِتَاءِ مَغِيْباً مُسْتَمِرّاً، وَانْطَفَأَتْ مَدَافِئُهُ؛ انْطَفَأَ الْعَمَلُ وَالْجِدُّ فِي الْقُلُوبِ، وَأَصْبَحَتِ الْقُلُوبُ فِي الصُّدُورِ كَالْجُثَثِ فِي الْقُبُورِ، ثُمَّ يَذْهَبُ الشِّتَاءُ كَأَنْ لَمْ يَذْهَبْ، وَيَحِلُّ الرَّبِيْعُ كَأَنْ لَمْ يَحِلّ.
وَمَا كَانَ الْعَدْلُ أَسَاسَ الْمُلْكِ إِلَّا لِأَنَّهُ يُوْرِثُ الْأَمَانَ، وَالْأَمَانُ يُوْرِثُ اسْتِقْرَارَ الْقُلُوبِ، وَأَعْنِي بِهِ عَافِيَتَهَا مِنْ أَدْوَاءِ الْخَوْفِ، وَالْيَأْسِ، وَالْكُرْهِ، وَالْحَسَدِ، وَالْحِقْدِ، تِلْكَ الْأَدْوَاءُ الَّتِي تَعْصِفُ بِالْقُلُوبِ، إِذَا غَابَ الْعَدْلُ، فَتَضْطَرِبَ كَالطَّائِرِ الْمَذْعُورِ فَي أَرْجَاءِ الصُّدُورِ، فَإِذَا أَشْرَقَتْ شُمْسُ الْعَدْلِ حَلَّ الْأَمَانُ فِي الْقُلُوبِ، وَاسْتَقَرَّتْ، وَانْعَكَسَ هَذَا الِاسْتِقَرَارُ مِنَ الْجَوَانِحِ عَلَى الْجَوارِحِ، وَبَدَتْ آثَارُهُ فِي الْوَاقِعِ عَمَلاً، وَجِدّاً يُثْمِرَانِ نَهْضَةً، وَتَقَدُّماً لِلْفَرْدِ، وِلِلْجَمَاعَةِ.
وَالشَّبَابُ هُمُ أَجْدَرُ السَّوَاعِدِ بِالْعَمَلِ، وَأَقْدَرُهَا عَلَيْهِ، وَعَلَى بِنَاءِ صُرُوحِ النَّهْضَةِ فِي الْمُسْتَقْبَلِ؛ لِذَلِكَ كَانَ بَثُّ الْأَمَانِ، والِاسْتِقْرَارِ فِي قُلُوْبِهِمْ بِإِحَاطَتِهَا بِمَشَاعِرِ الْعَدْلِ؛ هُوَ الْعَامِل الْأَهَمَّ لِاسْتِغْلَالِ طَاقَاتِهِمْ، وَتَوْظِيفِهَا التَّوْظِيفَ الْأَمْثَلَ لِبِنَاءِ الْمُسْتَقبَلِ، بَدَلاً مِنْ تَرْكِ تِلْكَ الطَّاقَاتِ فَرِيْسَةً لِمَشَاعِرِ الْيَأْسِ، وَالْإِحْبَاطِ، وَالتَّخَبُّطِ؛ فَتَتَحَوَّلَ إِلَى طَاقَاتٍ مَهْدُومَةٍ، أَوْ هَدَّامَةٍ.
* بكالوريوس لغة عربية وتمهيدي ماجستير، مصر
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق