محمود خلف محمد: العروبة وأبناؤها: البلد الطيب والنبات الطيب - باث أرابيا patharabia

Last posts أحدث المواد


1/01/2023

محمود خلف محمد: العروبة وأبناؤها: البلد الطيب والنبات الطيب

مشاهدة
محمود خلف محمد 

محمود خلف محمد *

(مسابقة أهمية القيم الإنسانية في بناء شخصية الشباب العربي)

الإنسان ابن الأرض التي نبت في تربتها، ورُوِيَ من مائها، ونما في مناخها، يخرج فيها متلبِّساً بخصائصها، ومكتسياً حُلَّةَ قِيَمِها، وينمو كلُّ جزءٍ من عقله، ووجدانه متصلاً بثقافتها، مرتبطاً بمبادئها، فيستوي على ساقه علماً على هذه الأرض، ورمزاً لها، ولقيمها.

وإنَّك حين تسمعُ قولَ النبيِّ، صلى الله عليه وسلم: "إِنَّمَا بُعِثْتُ لِأُتَمِّمَ مَكَارِمَ الْأَخْلَاقِ"؛ تدرك سرَّ اصطفاء الله، تعالى، للعرب بأن يكونَ خاتمُ الأنبياء منهم، وخاتمة الرسالات بلسانهم، وهو أن تربة العروبة غنيةٌ بمعادن الأخلاق الكريمة، ومصدرٌ رئيس لهذه الأخلاق، وآبار العرب، وغدرانُهم، وكلُّ أمْواهِهِم سخية بهذه الأخلاق، تجري بها، وتسيل، ومناخ بلادهم مناخ لهذه الأخلاق، فصيفهم شجاعة وإباء ونصرٌ للضعفاء، وشتاؤهم إطعام وإكرام، وربيعهم حماية ذمار وحسنُ جوار، وخريفهم عفة وعزة، وكلُّ أيامهم تَنْسِمُ بالأخلاق الكريمة؛ فكانت أرض العروبة، ومازالت، بلداً طيباً يخرج نباته بإذن ربه مزهراً زهورَ القيم النبيلة، مثمراً جناها الدانيَ القطوفِ، وهذه القيم الإنسانية النبيلة، والمبادئ الفاضلة هي فطرةُ الله التي فطر الناسَ عليها، وهي التي تجرد الإنسان لصفة الإنسانية، وتعلو به من حضيض الشهوة الحيوانية إلى سماء أحبَّ، وأنفع، وتحرره من قيود الأَثَرَةِ، وحبِّ الذاتِ، والانكفاء عليها، وعلى تحقيق رغباتها وشهواتها إلى أُفُقٍ أرحبَ، وأوسع، فكانت بعثة محمد، صلى الله عليه وسلم، تتميماً لهذه الأخلاق، والقيم أولاً، ثم نشراً لها ثانياً من أُمَّتِهَا الأُمِّ إلى بقية الأمم.

وإن تعزيز هذه القيم في نفوس الناشئة إنما هو تعزيز للهُوية العربية، وأهم عاملٍ من عوامل تأكيدها؛ لذلك تجد العربي الحقَّ له سمته الخاص الذي يميزه في كل مكانٍ حلَّ به، فهو وإن نزل بلاداً غير بلاده، ولبس ثياباً حسيةً غيرَ ثيابه تجده عربيّاً خالصاً، صِرْفاً بأخلاقه وقيمه، يرتدي عباءةَ الرجولة، ويتقلد سيفَ الشجاعة، ويضع على رأسه عمامةً، كأنها التاج، من الأخلاق النبيلة والقيم السامية في أقواله، وأفعاله.

على العكس تجد العربي الذي انسلخ من قيمه، التي هي القيم الإنسانية الصافية الخالصة من شوائب الجهل، والجهالة، انسلخ من ثياب العروبة المعنوية، وإن عاش في بلاد العرب، ولبس لباس العرب؛ وذلك لأن الذهن لا يقبل عند حضور شخص العربي، بل عند حضور لفظ (العربي) إلا حضورَ هذه القيم.
 
* بكالوريوس لغة عربية وتمهيدي ماجستير، مصر

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق