![]() |
محمد الحفري |
عن تجربته في مجال المسرح التقت "باث أرابيا" بالكاتب محمد حسن الحفري ليتحدّث لها عن محاور عدة تخصّ فن المسرح:
![]() |
محمد الحفري (يميناً) في مسرحية ليلة أخيرة |
* ما أهمية فنّ المسرح؟
- المسرح هو هذه المواجهة المخيفة أحياناً بين من يقفون على الخشبة، وبين الجمهور، وهو ذلك الفن المركب، أو لنقل هو مثل معركة حديثة، تشترك فيها صنوف الأسلحة، ففي المسرح يشترك النص ويتشابك، ويتعالق مع الدّيكور، والإضاءة مع الرّسم، والفن التّشكيلي والموسيقى، وإبداع الممثل والمخرج وغيرهم، لتقديم العرض المأمول منه تحقيق الدّهشة المرجوة، ومن بين ثنايا ذلك العرض تطلع لنا قصّة، أو رواية، وفي كل مشهد يقدم لنا حكاية، ومن ديكوره قد تنبعث قصيدة، ومن أحداثه يطلّ العالم، وهو بهذا المعنى حرب ضدّ الحرب، ومعركة تخاض لأجل الإنسان والفن، ودعوة للسّلام والطّمأنينة والوعي والثّقافة، والأهم للمحبّة التي نفتقد الكثير منها هذه الأيام، وأنا أعتقد أنه صلة وصل وجسر عبور مهمة جدّاً نحو الأفق البعيد، وكل لحظة تدريب أو بين الكواليس تبقى خالدة في حياة المسرحي، وكأنها جزء أصيل من ذلك العرض الذي قدم يوماً، وأنا لا أنسى أبداً تلك الأعمال البدائية التي عرضناها ذات وقت، أو لنقل في بداية المشوار، وقد كانت تتحدث عن الأرض والفلاحين والشعوذة والمفارقات التي تحدث والأمور التي تمس الناس، وقد كانت على الرغم من بساطتها وسطحيتها تبعث في قلوبهم السعادة، وتلفت انتباههم إلى أشياء كثيرة فما أجمل تلك الأيام.. وآه دائمة عليها.
تلك المواجهة التي تحدّثنا عنها بداية الأمر، هي التي تحدث الأثر في نفس المتلقي، وبالتالي هي من تستفزه وقد توتره وتدعوه للتأمل والتفكير فيما بعد، ومن هذه النقطة بالذات تأتي أهمية المسرح برأينا، ويجب أن نضيف إلى ذلك تلك المتعة التي يقدمها مع المعلومة والعبر وغيرها.
* ما معوقات فن المسرح؟
- بالتأكيد هناك معوقات كثيرة لكل عمل وليس لفن المسرح وحده، وهي ربما ترتبط بأمرين أولهما: الموافقات التي قد يستلزم التحصل عليها في بعض البلدان وقتاً غير قليل وهو لا يستهان به، وثمين جداً بالنسبة للمبدع، وهذا ربما يدفعه إلى التراجع عن الفكرة، أو ربما الإقلاع عن العمل نهائياً، وثانيهما النفقات المالية، فالعرض المسرحي كما تعلم يحتاج إلى المال لتغطية السفر وبناء الديكور وأجور الفنيين والإخراج والممثلين والنص وغير ذلك، ومختصر القول إن المسرح هو حالة احتفاء ومهرجان ألوان وفرح وتلاقح أفكار وهناك من يريد إطفاء تلك الفوانيس المشتعلة صوب الحلم والجمال والعذوبة والسحر.
* ما نقاط الدعم التي يحتاجها المسرح؟
- الدعم المالي من ضرورات الإنتاج الدرامي كما أسلفنا، فتسهيل الموافقات على العروض المسرحية هو مسألة أكثر إلحاحاً وأكثر ضرورة، ومن أهم نقاط الدعم التي يحتاجها المسرح هي الترحيب بالمبادرات التي تخصه كافة، سواء كانت من الأفراد أو مؤسسات ومجموعات المجتمع المحلي، وتوفير سبل الرعاية المهمّة لها، وأنا أقف في هذه المرحلة بالذّات إلى جانب مسألة الإغراء الذي يمكن تقديمه حتى لجمهور المسرح أملاً في عودته إلى ما كان عليه، وهنا أخصّ المسرح الجماهيري المخصّص للنّاس ومتعتهم، ولا أعني ذاك النّخبوي والذي يقدّم في المهرجانات من أجل الحصول على مركز من قبل لجان التّحكيم.. وبما أن المسرح عمل جماعي، فيجب الوثوق بما سيقدمه لمجتمعنا، والأمر الذي نود الإشارة إليه من هذه الناحية، هو الحب الطافح الذي يجب أن نوليه للإبداع وأصحابه، والكلمة الطيبة والحسنة تحيي، وقد يكون مفعولها السيئ عكس ذلك، وأكثر ما يحتاجه الإبداع وأهله هي تلك القلوب الطيبة التي تلامسهم بشفافية، ليغدو البعيد قريباً والمستحيل حقيقة نلمسها بشغاف القلوب، وفي تلك الحالة يبقى محبو المسرح عند شغفهم، وقلب العاشق يبقى نابضاً بعشقه، والحبيب يتجشم عناء السفر والمكابدة، ويحلم بالوصول لعناق الحبيبة، وواهم أو متقاعس عن السفر من يعتقد بأنه وصل، فالدرب ليست سهلة كما يعتقد بعضهم، بل مرصوفة بالشوك والحجارة، ومن ناحية أخرى قد يكتفي العاشق بتلويحة يد متعبة أو بدمعة عين أحرقته حين الفراق، قد يقتنع بلمسة يد أو بقبلة جهد طويلاً ليحصل عليها، لكنه أبداً لن يتوقف عن الحب باحثاً فيه عن دلائل وإشارات جديدة، وهذا هو شأني كما غيري من محبي المسرح والأدب، وكل أنواع الفنون.
* كيف ترى المشهد المسرحي الحالي؟
- لا أخفيك أنّ الكثير من الأحلام قد تبخّرت، وما حدث على الكثير من الصعد هو شيء رهيب، لكنّني بالمقابل متفائل بالمستقبل ومازلت على ثقة بأنّ إرادة الحياة ستنتصر، لأنّ من طبيعة الإنسان نفض هذا الغبار الذي يعلق على جسده ويلوث روحه، ليحلق من جديد، كما أنّني أريد أن أبقى على يقين تام من تجاوز الأجيال لما حدث في هذه المرحلة، والمحبة وحدها هي السبيل لذلك بطبيعة الحال، وبالنسبة لي شخصياً لم أتوقف عن الكتابة على الرغم من كل الظروف ومازلت أعمل مخرجاً مسرحياً، وأجمل لحظاتي تلك التي أقضيها بين أبناء فرقتي المسرحية.
- الدعم المالي من ضرورات الإنتاج الدرامي كما أسلفنا، فتسهيل الموافقات على العروض المسرحية هو مسألة أكثر إلحاحاً وأكثر ضرورة، ومن أهم نقاط الدعم التي يحتاجها المسرح هي الترحيب بالمبادرات التي تخصه كافة، سواء كانت من الأفراد أو مؤسسات ومجموعات المجتمع المحلي، وتوفير سبل الرعاية المهمّة لها، وأنا أقف في هذه المرحلة بالذّات إلى جانب مسألة الإغراء الذي يمكن تقديمه حتى لجمهور المسرح أملاً في عودته إلى ما كان عليه، وهنا أخصّ المسرح الجماهيري المخصّص للنّاس ومتعتهم، ولا أعني ذاك النّخبوي والذي يقدّم في المهرجانات من أجل الحصول على مركز من قبل لجان التّحكيم.. وبما أن المسرح عمل جماعي، فيجب الوثوق بما سيقدمه لمجتمعنا، والأمر الذي نود الإشارة إليه من هذه الناحية، هو الحب الطافح الذي يجب أن نوليه للإبداع وأصحابه، والكلمة الطيبة والحسنة تحيي، وقد يكون مفعولها السيئ عكس ذلك، وأكثر ما يحتاجه الإبداع وأهله هي تلك القلوب الطيبة التي تلامسهم بشفافية، ليغدو البعيد قريباً والمستحيل حقيقة نلمسها بشغاف القلوب، وفي تلك الحالة يبقى محبو المسرح عند شغفهم، وقلب العاشق يبقى نابضاً بعشقه، والحبيب يتجشم عناء السفر والمكابدة، ويحلم بالوصول لعناق الحبيبة، وواهم أو متقاعس عن السفر من يعتقد بأنه وصل، فالدرب ليست سهلة كما يعتقد بعضهم، بل مرصوفة بالشوك والحجارة، ومن ناحية أخرى قد يكتفي العاشق بتلويحة يد متعبة أو بدمعة عين أحرقته حين الفراق، قد يقتنع بلمسة يد أو بقبلة جهد طويلاً ليحصل عليها، لكنه أبداً لن يتوقف عن الحب باحثاً فيه عن دلائل وإشارات جديدة، وهذا هو شأني كما غيري من محبي المسرح والأدب، وكل أنواع الفنون.
* كيف ترى المشهد المسرحي الحالي؟
- لا أخفيك أنّ الكثير من الأحلام قد تبخّرت، وما حدث على الكثير من الصعد هو شيء رهيب، لكنّني بالمقابل متفائل بالمستقبل ومازلت على ثقة بأنّ إرادة الحياة ستنتصر، لأنّ من طبيعة الإنسان نفض هذا الغبار الذي يعلق على جسده ويلوث روحه، ليحلق من جديد، كما أنّني أريد أن أبقى على يقين تام من تجاوز الأجيال لما حدث في هذه المرحلة، والمحبة وحدها هي السبيل لذلك بطبيعة الحال، وبالنسبة لي شخصياً لم أتوقف عن الكتابة على الرغم من كل الظروف ومازلت أعمل مخرجاً مسرحياً، وأجمل لحظاتي تلك التي أقضيها بين أبناء فرقتي المسرحية.
الأحداث العاصفة أثرت على الفن المسرحي كما سائر الفنون، وغيره في مناحي الحياة كافة، خاصة في هذه البقعة الممتدة من الماء إلى الماء، وقد نضحك على أنفسنا ونخدعها لو قلنا غير ذلك، ولكن الجميع يعملون ضمن الممكن، وأنا شخصياً أطلق تسمية الأبطال على كل الذين يعملون في هذا المجال، وفي ظروف صعبة للغاية، ذلك لأنّ الفنّ شفّاف وحسّاس جداً وهو جزء من حال كلّ الفنون، وقد يعود تراجعه لأسباب متعلقة بالتلفاز والنت ووسائل التواصل الاجتماعي، لكن وبالمقابل للمسرح رواده الذين يبحثون عنه أينما كان والمأمول إعادة الجماهيرية التي كانت إلى المسرح.
* كيف أثّرت العولمة على المسرح؟
- مؤكّد أنّ للعولمة دورها السّلبي، لأنّ بعضنا تعامل معها كمن نصب خيمته أو عمّر بيته من دون أن يعلم أنّ مكانها مجرى للسّيل والعاصفة، وقد تقتلع خيمته في أي لحظة، وبالمقابل فهي كغيرها، وأقصد: العولمة سلاح ذو حدّين، فكما فيها السّلبي، فيها الإيجابي الذي يجب أن نعرف كيف نستفيد منه، ولكن قبل أن نجدّف بعيداً، ونحمّل الفضاء كل المسؤولية، لماذا لا نتحمّل على الواقع ولو جزءاً منها، وهنا أسأل هل فكرت بعض الجهات المعنية على سبيل المثال بحال من يشتغلون في المسرح وحال المثقفين والمشتغلين بالأدب والفن عموماً، أين هم وما هي أحوالهم في هذه الظروف الصعبة؟ كيف نطور الثقافة إذا لم نهتم بحال من يشتغلون فيها؟ والمسألة ليست صعبة ولا تكلف الكثير، وقد تكمن مثلاً في حل بعض مشاكلهم الحياتية، لأن كثيراً منهم بأمس الحاجة لذلك، وبعضهم يعمل في أماكن لا تتناسب مع كونهم أهل إبداع وفن وهم يستحقون الاهتمام والرعاية.
* بماذا ترفدنا متابعة العروض على مسارحنا؟
- وأجد من المناسب أن أقول لك إنّني مازلت أعد بعض العروض على مسارحنا مدارس تعلم الكثير ونطرح من خلالها عشرات الأسئلة بطريقة فلسفية عجيبة وقد تنبهنا إلى بعض القضايا الشائكة في حياتنا، كما أنّنا نتعلّم منها فن الإصغاء والنقاش والاستماع إلى الموسيقا والشعر واستخلاص العبر من تلك الحكايا التي ترفد الحياة، أو تكون موازية لها، ولأنّني حضرت الكثير من العروض صرت أعرف الكثير من النماذج المقدمة، وهي مع اختلاف سويتها الفنية والفكرية، تجارب حياتية، ولا تقلّ أهميّة كلّ واحدة منها عن الأخرى، لأنّها في النهاية جاءت نتيجة عرق وجهد من رغبوا بتقديم جهدهم على خشبة المسرح الجذّابة والبرّاقة والتي نحاول ما استطعنا تجنّب الوقوع في الخطأ ونحن فوقها.
* كيف تنظر للنّصوص المسرحية المترجمة والمحليّة؟
- ربّما يخطر في بالي التّطرق إلى الترجمة، وكلّ ما يترجم هو إنساني قبل كل شيء وما ينطبق هنا قد ينطبق هناك مع مراعاة الخصوصيّة لكل شعب وأمة، والعمل المترجم قبل ذلك يرتبط بالتّرجمة ذاتها ومن ثمّ طريقة المترجم وأسلوبه، وبالنّسبة للمسرح قد تعنينا الفكرة أكثر، لأنّ هناك معالجة للنّص عن طريق الإعداد والإخراج، أطرح هذا الكلام وأردده دائماً لأنّني متحيّز للنّص المحلّي، أدعوا الجميع للتّركيز عليه، ليس من باب التعصّب والتّنظير، بل لأنّنا بحاجة أن نطرح قضايانا وهمومنا وأحزاننا، والقضايا التي تهمّ مجتمعنا في هذه المرحلة بالذّات من خلاله، وبالتالي هو الأقدر على مسّنا، وقد أجد في الدعوة إليه نوعاً من التّجديد والشّد وجذب من يميلون إلى قضايانا المحلية. والمسرح ونقصد هنا النص على وجه التحديد هو الجنس الأصعب من حيث الكتابة، والسيناريو هو الأسهل والأصعب يفيد الأسهل، ففي المسرح لكل شيء مدلولاته وأهميته بدءاً من الكلمة والشخصية والإضاءة والحدث وقطعة الديكور وحدها قد تفيد في عشرات الأغراض، والسيناريو فيه الكثير من الحشو والثرثرة التي لا طائل منها، لا زيادة في المسرح، والسيناريو فيه الكثير مما هو زائد عن الحاجة.
* ما مستلزمات العرض المسرحي النّاجح؟
- العرض المسرحي يستلزم الكثير من التّدريب المتواصل ولا ينجز بين يوم وليلة ولذا نعود للقول إن من يشتغلون في الثقافة والفن بحاجة لدعم أكبر واهتمام ورعاية وهو بالدرجة الأولى كما أسلفنا بحاجة لمن يتعامل معه بشغاف القلب والعاطفة، وسأقول في النهاية إنّ الأمور مازالت على ما يرام أو مقبولة على أقل تقدير على الرغم مما يحدث، ويبقى الأمل أن تصير أفضل في المستقبل والإرادة تصنع المستحيل وحسب العاشق تلويحة المحبوب وربما تأخذه رفة العين وابتسامة صغيرة إلى الحلم المتخيل والمشتهى ليمزجه بالواقع ويذوب فيه ولا بد من التضحيات في سبيل ذلك.
![]() |
محمد الحفري |
* كيف نعيد جماهيريّة المسرح كما كانت؟
- لا بدّ هنا من الإشارة إلى ضرورة أن يتخلّص بعضهم من نظرته المتعالية، وينزل من برجه العاجي ليحاكي الواقع ويداعب أوجاع الناس، ليعيد جماهيرية المسرح كما كانت وربّما الطّموح أكبر وهذا برأيي يجب أن يرتبط بوسائل تسويق معينة وتبنّي هذا الفنّ الذي كان في يوم ما يتربع على المرتبة الأولى متقدّماً على غيره من الفنون، مستحثاً خيالنا، لنطير ونحلق معه إلى الأمداء الشاسعة ويرسم في نفوسنا الحيرة، وعلى وجوهنا الدهشة، وتلك الابتسامة الصافية التي نتجاوز من خلالها الهموم والأحزان، وقد نطير مع الغيمات، نحمل أفكاره السامقة فهماً وثقافة ومعرفة وتواصلاً مع الآخر الذي يعد جزءاً مهماً من حياتنا، وعندها سنشعر حتماً بتلك اللحظات المضيئة من حياة البشر.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق