![]() |
شفيق الموعي |
خبّأتُ أفراحَ أطفالٍ تعاتبُني.. في مزقةِ القلبِ كي تنأى عن الشّغبِ
حنّتْ إلى بلدٍ كانَ الوفاءُ بهِ .. مثلَ الغــزالةِ إن مَاجَتْ على الذّهبِ
عيـنٌ لها خلّةٌ في كلِّ زاويةٍ .. أنّى ارتحلْتَ ومن بصرى إلى حلبِ
سـوريّتي بلدُ الأقمارِ طالعةً .. من زهرةٍ عبــقتْ في وحمةِ التّرَبِ
هذي سواحلُها شادتْ أوابدَها .. وفي الصّحارى عناقيدٌ من الشُّهبِ
كلُّ اللُّغاتِ على شطآنِها ضحكتْ .. لولا ثقافتُها ظلَّ المسيحُ صبي
إن تهلكِ الشّــامُ أو بادتْ ثقافتُها .. فالأمُّ قد سُبِيَتْ والمستــهانُ أبي
سوريا بلد الحضارات القديمة والتّاريخ العريق ومهد الدّيانات السّماوية.. ولا عجب أن يكون كلّ إنسان في العالم مديناً بفنّه وأدبه إلى الأرض المهد الّتي ترعرع فيها، وأن يفتخر بانتمائه إليها. هكذا هو حال الشّاعر شفيق الموعي، وهو من مواليد محافظة حماة – الغاب، خرّيج جامعة دمشق، كليّة الآداب والعلوم الإنسانيّة، فرع اللغة العربيّة عام 1976، مارس التّدريس طيلة ثلاثة وأربعين عاماً.
صدر له ديوانان: (مِرْود) الّذي صدر عن دار نينوى، وهو يحملُ اسم ولده الشهيد، وأصبح عنده اسماً لكل شهيد ترابٍ في بلاده، والدّيوان الثّاني هو (شقائق الأكباد) الّذي صدر عن دار دلمون، وهناك ديوانان قيد الطّباعة.
كما شارك بمجموعة قصص قصيرة جدّاً في كتاب (لوحات مشرقة) جمعها وأعدّها الدّكتور زهير سعّود، ولديه حكايات شعبيّة من الواقع السّوري المحلّي اليومي يرويها على لسان "أبو حُلاسة".
لمعرفة المزيد عن تجربته في الكتابة الأدبيّة التقت "باث أرابيا" الشّاعر السّوري شفيق الموعي.
![]() |
شفيق الموعي |
الشّعرهوالحلم المستيقظ أبداً
يفتتح الشّاعرالموعي الحوار بعباراته : "الشّعر حلمٌ جميلٌ، والحلمُ ضرورةٌ، ولا يأتي من فراغٍ.. وأحلام اليقظة هي نحن بلا رتوشٍ، والشّعرُ الحلمُ مستيقظ أبداً، ولكن متى نستيقظ نحن لنرى الشّعر في وضح النّهار؟! من يخاف ليس بشاعرٍ، ولولا هذه الحرب الّتي خاضها وطني ما خطرت كتابة الشّعر ببالي.. وهناك تقصيرٌ كبيرٌ في مواكبة الإعلام الثّقافي لكلّ ما هو جديد على مستوى الشّعر، والشّعراء".القصيدة العموديّة أم قصيدة النّثر؟
في معرض ردّه حول هذا السّؤال أجابنا الأستاذ الموعي: "الشّعر هو الشّعر مهما كان قالبه.. وغياب القصيدة العموديّة باعتقادي، إمّا بسبب الافتقار إلى الشّاعريّة، أو الجهل بقواعد اللغة العربيّة والعروض.. فكثير يركبون حماراً هزيلاً، يعتقدون أنّه فرسٌ مطهّمٌ! أو ربّما بسبب استسهال الكثير لقضيّة الشعر، وإما بسبب التّقليد الأعمى للغرب. لا شرط للشّعر سوى أن يكون شعراً؛ فشعراء قصائد النّثر معدودون على أصابع اليد الواحدة، والشّعر يُولدُ من رحم الألم فالمعاناة هي لسانه، والفضاءات الرّحيبة ميادينه، وأدواته إحساسٌ رقيقٌ وعاطفةٌ جيّاشةٌ صادقةٌ وحزنٌ عميق".كلّ واحدٍ فينا روحه حبلى بقصيدة شعرٍ
كلُّ واحدٍ فينا روحه حبلى بقصيدة شعرٍ، تنتظر مخاضها لترى النّور، ويتابع الشّاعر الموعي: "أمّا بالنّسبة لي فقد تستغربون كيف أنّني جئتُ بلا بدايةٍ، فمن رحم رصاصةٍ مجنونةٍ أصابتْ وطني، وولدي جئت.. ومع استشهادِ ولدي المهندس مِرْود تعرّضْتُ لأزمةٍ حيثُ تشابكَ الألمُ الذّاتي بالموضوعي، فصمتُ أربعينَ يوماً لأجد الكلمة التي تليقُ بالمشهد المؤلم، ولا أنكرُ أنّني مُلمٌّ بقواعد العربيّة إلى الحدّ المعقول، ولكنّني اعتقدُ أنّ موضوع استشهاد ولدي (مِرود) هو من من وهبني الشّعر؛ لأنّه رفض أن تسقط البندقيّة، فصهرها قلماً لأكون في متراسه، متراس سوريا التّاريخ".وقد عبّر الشّاعر الموعي عن ذلك بقوله:
مِرْودُ العين الّذي أنجــبْتُهُ .. شــاءَ خلقي مُبدعاً وجهَ التّمامْ
أنَّقَ البوحَ على قيثـــارتي .. وهــــــداني كـلَّ لأْلاءِ الكـلامْ
البيئة لها دورٌ كبيرٌ في التّكوين النّفسي للشّعراء
"أنا راعٍ وفلاح.. أحرثُ الأرض وأزرعها، وأرعى الأغنام، وأعتزّ بانتمائي لبيئتي. البيئة لها دورٌ كبيرٌ في التّكوين النّفسي للشّعراء، وهذا ينعكس على مواضيعهم، وأساليبهم في الكتابة.. كتبتُ عن الحبّ بمعناه العام، حبّ الإنسان أينما كان، ودافعتُ في قصائدي عن الشّرائح الاجتماعيّة المضطهدة والمظلومة أينما كانت، حملت في قصائدي قضيّة المرأة، ودافعت عن الوطن، ومجّدت الطّبيعة". ويتابع الشّاعر الموعي بغصّةٍ على أثر فقد ولده: "أمّا الشّهادة فهي القيمة الأعلى، والحياة الأسمى، والاسم الذي لايموت؛ فالشهداء هم حروف مقدّسة، ومضيئة في الأديان، والكتب السّماويّة.. وهم حرّاس الوطن بكل ما فيه من أرضٍ، وماءٍ، وسماءٍ.. كتبتُ أيضاًعن هموم وطنية، وقوميّة عربية".أبيات من قصيدة المرودية التّاسعة
"وارى الشهيدُ وما وارى منَ التّعبِ .. جرحاً يصبُّ عُبابَ الماءِ في السّحبِ
لمّا تصــحّرَ نهرُ الحــبِّ في وطني .. أضحى يحوطُ ســــريرَ الحبِّ بالهدبِ
وارى الشـــهيدُ وما وارى منَ العتبِ .. بل شـــــعَّ لألأةً في أيقـــونةِ العجبِ
وارى الشّـــــهيدُ وما أخفى ملامحَهُ .. يزدادُ وهـجــــاً يُرى في لمعةِ الشهبِ
وارى الشّـــهيدُ وما وارى على خجلٍ .. شـــــقَّ الفيافي بها مسعورةُ الحرَبِ
يســـعى العظيمُ إلى حرزٍ يُخــــــلّدُهُ .. غيرُ الشّــــهادةِ لا يرقى إلى الحسبِ
بــاللهِ يا بطـــــلاً جُنَّ الشـــــموخُ بهِ .. هل أرضعتْكَ وماتتْ سَورةُ الغضبِ؟
قـــالوا: فقيــرٌ ولا مالٌ بحــــــوزتِهِ .. وهل يُفــــازُ بغيـرِ المــــالِ بـالرتب؟
أجــابَ منتفضاً كالســــيلِ منخفضاً .. كالنّســرِ في غضــبٍ كالنّارِ في لهبِ
ما أعظمَ الفقـــــرَ لا تُحنى ذؤابتُــهُ .. مرفوعَ رأسٍ يُحاذي الشمسَ منتصبِ
ما أبلغَ الفقرَ لا يرتابُ من ســـغبٍ .. يجـني الرغيفَ بقلعِ الصـــخرِ والتعبِ
كم عـــاشَ ميْتٌ إذا حنّى الخلودَ دماً .. وكم يموتُ الذي يحيــــا على السلبِ
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق