د. عبداللطيف الشامسي: هل يمثل ChatGPT خطراً على التعليم؟ - باث أرابيا patharabia

Last posts أحدث المواد


1/31/2023

د. عبداللطيف الشامسي: هل يمثل ChatGPT خطراً على التعليم؟

مشاهدة

*د. عبداللطيف محمد الشامسي

هل يمثل (ChatGPT) -أحدث برامج التعلُّم الآلي- خطراً على التعليم؟ سؤال لا يخرج عن الأسئلة التي اعتدنا طرحها ومناقشتها عند ظهور كل جديد في عالم التكنولوجيا، وخاصة ما يمسُّ الجانب التعليمي منها؛ لأن هناك دائماً مَن يخشون نمطيَّة التغيير والجديد عموماً، ليس في عالمنا العربي فقط؛ بل في العالم أجمع، على الرغم من أن ظهور أي تقنية جديدة ما هو إلا انعكاس لحجم التطور في الفكر البشري، الذي يحاول صنع نماذج تحاكي ذكاء الإنسان، وإن لم تصل إلى مستواه بعدُ؛ فلماذا الخوف من الجديد إذن؟

ويعمل برنامج (ChatGPT)، الذي أطلقته شركة (OpenAI) الأمريكية في نوفمبر 2022، وبدأ يستحوذ بسرعةٍ على اهتمام الأفراد في مختلف دول العالم، بتقنية الذكاء الاصطناعي، ويتفاعل مع المستخدمين عن طريق الحوار والكتابة في الموقع الإلكتروني الخاص به، ويخضع لإشراف دقيق جدّاً بهدف تطوير اللغة والمحتوى استناداً إلى ردود فعل المستخدمين. وتقول الشركة المنتجة في موقعها: "لقد درَّبنا نموذجاً يُسمَّى (ChatGPT)، يتفاعل بطريقة المحادثة، ويتيح الحوار معه الإجابة عن أسئلة المتابعة؛ كما أنه يعترف بأخطائه، ويرفض الطلبات غير الملائمة".

وتكمُن قوة البرنامج في سرعة فَهْمه اللغة المستخدَمَة في الأسئلة، والاستجابة لها على نحو مثير للإعجاب؛ ولكنْ برغم إنتاجه مقالات كاملة بأسلوب جيد جدّاً وخالٍ من الأخطاء اللغوية؛ فإنه في الوقت نفسه يعجز عن كتابة الموضوعات المستجدَّة مثل الأحداث العالمية الأخيرة، أو تلك التي لا يوجَد عنها الكثير من المعلومات؛ ولذا تكون مقالاته، أو ردوده، مشوَّشة في بعض الأحيان.

ونظراً إلى قوة برنامج (ChatGPT)، ولا سيَّما في كتابة النصوص الأكاديمية، وأداء الواجبات والامتحانات، وإعداد البحوث والتقارير؛ فقد تهافت طلبة المدارس والجامعات على استخدامه؛ ما مثَّل مصدر رعب لكثير من المعلمين والأساتذة؛ حتى إن بعض المدارس في العالم بادرت بحظره لديها؛ اعتقاداً منها أنه سيُعطِّل مهارات الطلبة اللغوية، ويجعلهم يعتمدون على مصدر آخر في تأدية مهمَّاتهم الدراسية بدلاً منهم.

ويتفوَّق البرنامج على غيره من برامج الدردشة والبحث الأخرى بقدرته الفائقة والفورية على الإجابة عن أسئلة المستخدمين، وشرْح المفاهيم المعقَّدة بكلمات يسيرة، وإنتاج محتوىً من الألف إلى الياء دون اقتباس مباشر من مصادر أخرى؛ ومع أن البرنامج لا يزال في مراحل تجريبية؛ فإن كثيراً من المستخدمين وجدوه متميزاً في بعض الإجابات، وإعداد البحوث والتقارير.

والحقيقة أن برنامج (ChatGPT) لا يختلف كثيراً عن الآلة الحاسبة، أو الحاسوب الآلي، أو غيرهما من الأدوات التي مثَّلت تحدياً للتعليم فور طرحها أولَ مرة بصفتها منتجاً تقنيّاً حديثاً؛ ثمَّ أصبحت اليوم جزءاً مهمّاً من المنظومة التعليمية. وتواصِل شركة (OpenAI) تطوير البرنامج ليصل إلى النسخة الرابعة قريباً، التي قد تكون نقلة نوعية في استخدام برمجيات الذكاء الاصطناعي؛ وأرى أننا يجب أن ننظر إليه بصفته أداةً جديدة للتعليم، وأن نوجِّه المعلمين والطلاب إلى كيفية استخدامه بفاعليَّة، واستثماره في المنظومة التعليمية، ومواجهة التحديات الأكاديمية بفرص للتطوير والتحسين؛ فبدلاً من المتطلبات التقليدية المتمثلة في كتابة البحوث والواجبات المنزلية، لماذا لا نطور مواد تعليمية عن طريق طرْح مساقات مثل "تعليم الكتابة باستخدام برمجيات الذكاء الاصطناعي"؟

ولا يعني ذلك التسليم بصحة كل ما يطرحه البرنامج، ولا النظر إليه بصفته تعطيلاً لفكر الطالب ودوره في عملية التعلُّم؛ ولكنْ يجب علينا أن نعلم طلابنا كيفية التعامل معه، وتقييم إجاباته بأنفسهم، وتحسينها؛ لأن برامج الذكاء الاصطناعي -مهما طُوِّرَت- لن تفوق قدرات الإنسان الذي صنعها، ولا تستطيع في أي حال من الأحوال أن تُجاري الذكاء البشري في الفكر والإبداع؛ ذلك أن النصوص المنتَجة بالذكاء الاصطناعي لا تمثل الواقع، بل اللغة التي غُذِّي ذلك الذكاء بها؛ وهذا هو السبب في أن بعض ما يكتبه برنامج (ChatGPT) سهْل القراءة؛ ولكنه قد يكون خطأً تماماً في المحتوى الفكري؛ ومن هنا تتَّضح الأهمية الكبيرة للتصحيح البشري الذي يتطلَّب معرفة حقيقية للمحتوى والعمق الفكريَّين.

والأمر المؤكَّد لدى كثير من الخبراء أن التكنولوجيا لن تختفي، وتطويرها مستمر، وعلينا استثمارها، والأخذ بأيدي طلابنا نحو "المستقبل الاصطناعي"؛ ليكونوا مشاركين في صناعة هذه التكنولوجيا مستقبلاً، وليسوا مستخدمين لها فحسب.

*الرئيس والمدير التنفيذي لـمجمع كليات التقنية العليا
*عن "مفكرو الإمارات"

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق