كريم صبحي علي: فاقد الشيء يعطيه وبقوة - باث أرابيا patharabia

Last posts أحدث المواد


2/08/2023

كريم صبحي علي: فاقد الشيء يعطيه وبقوة

مشاهدة
كريم صبحي علي

كريم صبحي علي *

إن أكثر ما قد يؤلم الإنسان في هذه الحياة هو فقدان شيء عزيز وغالٍ جداً على النفس فعندما يفقد الإنسان أعز وأغلى الأشياء على نفسه ستجده حينها مجرد جسد يسير في الأرض بلا روح أو هدف أو هوية وسوف يشعر بأن هذه الحياة هي عبارة عن دقائق وأيام تمُر هكذا فقط بدون أن يشعر فيها بأي طعم أو لون أو معنى، ومن هنا نشأت هذه الحكمة والمقولة الشهيرة (فاقد الشيء لا يعطيه) والتي تعني بأن أي شخص قد فقد أي شيء في هذه الحياة لا يمكن أن يعطيه للآخرين أبداً.

فعلى سبيل المثال وليس الحصر، من فقد السعادة طيلة حياته فلا يمكن أن يُسعد غيره أبداً، ومن فقد الأمان ولم يشعر به فلا يمكن أن يُشعر أحداً آخر معه بالأمان وهكذا إلى آخره، ولكنني وبعد تفكير طويل وعميق جداً في هذه المقولة وجدت أن ما يحدث عكس ذلك تماماً واكتشفت في النهاية وهذا من وجهة نظري أنا طبعاً بأن هذه المقولة خاطئة جداً ولا تمُت للواقع بأي صلة لا من قريب ولا من بعيد وبالتالي وجب بأن تكون هناك مقولة وحكمة أخرى بديلة عنها تقول (فاقد الشيء يعطيه وبقوة) والتي تُثبت العكس تماماً وتُنصف أي إنسان فقد أي شيء غالٍ عليه في هذه الحياة ولكنه مُستعد بأن يعطيه للآخرين بكل أريحية رغم فقدانه لهذا الشيء، وسوف أشير إلى بعض الأمثلة والتي تعايشت معها أنا بنفسي عن طريق أشخاص أعرفهم فقدوا أشياء مهمة وغالية جداً في حياتهم ولكن عندما سمحت لهم الفرصة قاموا بإعطائها للآخرين بأكثر مما كانوا يريدونها هُم أنفسهم وسأطرحها عليكم في النقاط الآتي ذكرها:

أولاً: فاقد التعليم: إذا قابلت أي شخص لم يستطع أن يحصل على القدر الكافي من التعليم أو حتى أي شخص آخر لا يقرأ ولا يكتُب نتيجة ظروف أسرية ومعيشية صعبة مر بها وهو صغير فمنعته من الالتحاق بأي مرحلة من مراحل التعليم وقُمت بسؤاله عن أمنية حياته الآن فسوف يقول لك بكل ثقة وثبات بأنه يريد أن يجعل أبناءه مُتعلمين وحاصلين على أعلى الشهادات الدراسية والجامعية، وهذا لأنه قد ذاق مرارة الجهل فلا يريد لأبنائه هذا المصير المُظلم وبالتالي فسوف يسعى بكل ما استطاع من جهد وقوة بأن يُعلم أبناءه أفضل تعليم وهنا نجد أن الفاقد لنعمة التعليم يستطيع أن يُعطيها لغيره وبقوة نتيجة حرمانه هو منها.

ثانياً: فاقد الصحة: نعمة الصحة هي تاج على رؤوس كل الأصحاء ولا يراه إلا كل مريض، وفاقد لهذه النعمة العظيمة، وبالتالي فإن كل من جرب قسوة وألم المرض ومرارة الدواء لا يريد أن يشعر أبناؤه وأحباؤه وعائلته بهذا الألم والوجع أبداً مثلما شعر هو به وبالتالي ستجده يفعل المستحيل من أجل أن تعيش عائلته وكل أحبائه وأسرته بالكامل في مناخ وأجواء صحية ونظيفة وخالية من التلوث ومسببات الأمراض وهنا نستنتج أن الفاقد لنعمة الصحة سيحاول قدر المُستطاع أن يُحافظ على صحة الآخرين مهما كلفهُ هذا من ثمن.

ثالثاً: فاقد الأمن والأمان: إن أي شخص فاقد لنعمة الأمن والأمان يعلم جيداً قدر هذه النعمة الغالية والثمينة جداً والتي لا تُقدر أبداً بالذهب والمال فهي من أغلى وأعظم النعم وبالتالي فإن كل من عاش في صراعات وحروب وتشتُت وضياع أول شيء يريده لأبنائه وأسرته وعائلته هو أن يجعلهم يشعرون بالأمن والأمان وبالتالي يبذل كل جُهده من أجل إشعارهم بالأمن والأمان نتيجة لما عاناه هو من ضياع نتيجة فقدان هذه النعمة العظيمة لنجد هنا فعلاً بأن فاقد نعمة الأمن والأمان يعطيها للآخرين وبشدة.

رابعاً: فاقد السعادة: لا شك في أن السعادة هي كنز من كنوز هذه الحياة وبالتالي فإن كل من قد عاش في تعاسة وحزن مُنذ صغره فلابد أن تجده ناشراً للسعادة في كل مكان وبين كل الناس لأنه حُرم منها فلا يريد أن يُحرم الآخرون أيضاً منها؛ لأنه يعلم جيداً مرارة الألم الناتج عن التعاسة والحزن على نفوس البشر لنجد هنا أن كل من قد جرب ألم التعاسة والحزن فسوف يفعل كل ما في وسعه حتى يُعطي السعادة للآخرين لكي لا يتذوق كل أحبائه وأقربائه من هذا الألم النفسي والذي عاشه هو في يوم من الأيام.

خامساً: فاقد المال: إن فقدان المال يجعل من الحياة شيئاً صعباً جداً على أي أسرة، وبالتالي فإننا نجد أن الفقراء وللأسف الشديد لا يستطيعون أن يتمتعوا بأشياء كثيرة جداً من مُتع هذه الحياة ولذلك عندما يكبُر ويترعرع أي شخص بداخل أسرة فقيرة نتيجة ظروف الحياة الصعبة فستجد أن هذا الشخص يعمل بكل جد وجهد وتعب وفي وظائف عدة في وقت واحد من أجل أن يكسب المال، ولكي لا يُشعر أبناؤه بما شعر به وهو صغير من حرمان مادي نتيجة فقدان أسرته للمال فنستنتج هنا أن فاقد نعمة المال وهو صغير سوف يعمل بكل جهد عندما يكبر لكي يعطي أبناءه هذه النعمة والتي كان هو فاقداً لها طيلة حياته.

وختاماً، أرجو أن أكون قد أوصلت وجهة نظري، التي تفيد بأن فاقد أي شيء في هذه الدنيا لابد أن يعطيه وبقوة لكل أحبائه وأصدقائه وعائلته حتى لا يشعروا بمرارة الفقدان والحرمان لهذه الأشياء والتي شعر هو بمرارة فقدانها طوال حياته ولذلك نستطيع الآن أن نقول وبأعلى صوت فينا إن (فاقد الشيء يعطيه وبقوة).

* دبلوم فني فندقي، مصر

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق