رامز الشيشي: الشباب العربي بين جدلية الحداثة الغربية والقيم التقليدية - باث أرابيا patharabia

Last posts أحدث المواد


2/06/2023

رامز الشيشي: الشباب العربي بين جدلية الحداثة الغربية والقيم التقليدية

مشاهدة
رامز الشيشي

رامز الشيشي *

شهد الوطن العربي تحولات هائلة في الآونة الأخيرة، ولايزال يشهد العديد في عالم مليء بالتغيرات والتقلبات؛ وذلك بسبب تصاعد الترابط العالمي والتقدم السريع للتكنولوجيا. وقد ولد هذا فوجاً معاصراً من الشباب العربي، معرضاَ بشكل تلقائي نتاج التصاعد والانفتاح المتسارع لجدلية Dialectic الحداثة الغربية ومبادئها، ولكنه يرتكز في نفس الوقت على عادات السلف الثقافية والمنظومة القيمية. 

يُشكل هذا الانقسام عموماً مهمة شاقة لهؤلاء الشباب العرب، حيث يسعون جاهدين لمواءمة جوهرهم الثقافي الذين يتصرفون وفقه مع متطلبات عالم دائم التطور والتغير يفرض علينا أحياناً بعض المرونة وقد يغرينا بعدم تبجيل قيمنا! فتُعد الوجودية مثلاً، تياراً فكرياً يُعزز من قيمة الجانب الإنساني فوق كل الجوانب الأخرى، وتجسد فكرة الحتميّة الذاتية؛ حيث هنا للفرد استقلالية في التفكير والتصرف من دون أية قيود من الخارج. 

وفي الوقت نفسه، تركز البراغماتية على تحقيق الفوائد العملية، غالباً على حساب المبادئ الأخلاقية والقيمية، لتصبح مجرد تعبير عن المصلحة الذاتية في المقام الأول والأخير. ويمكن اعتبار ما بعد الحداثة، وهي تقدم تاريخي للحداثة نفسها، وتمثل تحدياً للوضع الراهن، وثورة ضد المعايير والقيم الراسخة؛ سعياً وراء متغيرات فريدة من نوعها ذات تفكير وطابع تقدمي تتحدى القيم التقليدية، وتهدد تماسك النظم الاجتماعية للدول العربية، وهنا محل الجدل. 

فالقيم مظهر من مظاهر جوهر ما هو مهم وهادف ومبجل للفرد أو المجتمع، وتشكل الأسس التي يتم على أساسها اتخاذ جميع الأحكام والخيارات الحياتية. ونتيجة لذلك، فمن الصعب، بل والمستحيل وفقاً للنهج القيمي العربي أن يسمح للشباب العربي بالانقلاب ضد معايير الأسرة أو الدين؛ لأن هذا ببساطة يعني الخروج عن المنظومة القيمية التقليدية التي يقوم عليها النظام الاجتماعي العام.

إلى ذلك، تتمثل جاذبية الحداثة الغربية للعديد من الشباب العربي في ضمانها للحرية والمساواة والثراء. فيُنظر إلى القيم الليبرالية التي تشكل أساس الحضارات الغربية، مثل حرية التعبير، وسيادة القانون، والفردية، على أنها العنصر المحوري والوحيد لإطلاق العنان لإمكاناتها الكاملة. ومع ذلك، فإن هذه المثل تتعارض في كثير من الأحيان مع القيم العريقة التي نحتت وشكلت جوهر وثقافة المجتمعات العربية قروناً عدة إلى الوقت الراهن.

كما أن دعم قضايا شائكة لا تناسب المجتمعات العربية تحت مسمى "الحرية الفردية" بدأ يأخذ نصيبه من بعض الشباب العرب؛ الأمر الذي من شأنه أن يدفعنا إلى ضرورة البحث في واقع ذلك الجدل بدقة، والتفكير بأسباب مثل هذا الاندفاع مقارنة بوجود حالة من الخروج عن القيم والمبادئ المألوفة! فقد دفعت وتيرة التغيير السريعة والتأثير المتصاعد للفكر الغربي العديد من الشباب العربي إلى التشكيك في صلة هذه القيم التقليدية في عالم سريع التغير.

اقرأ أيضاً: رامز الشيشي: انعدام الأمن للشباب العربي: نظرة واقعية لصراعاتهم الداخلية

فمن ناحية، توفر القيم التقليدية مثل تقديس واحترام كبار السن، وأهمية الأسرة والمجتمع، ومركزية الدين في الحياة اليومية إحساساً بالأمن والاستقرار. لقد تم نقل هذه القيم من جيل إلى جيل وهي بمثابة مصدر أصيل وعرف محوري لتوجيه الشباب العربي، وكان من الممكن ملاحظتها بشكل أكبر في تنظيم دولة قطر لبطولة كأس العالم 2022؛ الذي على إثره وُجِهَتْ شكاوى في صحف عالمية عن انتهاكات لحقوق الإنسان.

ونتيجة لواقع الجدل القائم، تجد المجتمعات نفسها في انقسام معقد ومتغير باستمرار يتحدى الشباب العربي للمناورة في التوترات بين الحداثة الغربية والقيم التقليدية. ولكي ينجحوا يجب أن يجدوا طريقة للتوفيق بين المطالب المتضاربة لهذين المتغيرين، مع الحفاظ على هويتهم الثقافية وإرثهم. وهذا يتطلب فهماً عميقاً لكل من الثقافات الغربية والعربية، فضلاً عن التفاني في سد الفجوة بين هذين المتغيرين عبر فهم الدين وواقع القيم الخاصة بنا بدلاً من الانجراف والانحراف للهاوية. فكل زمان له رجاله، ومن غير المقبول أن نجد شباباً عرباً بناءً على المسمى فقط، ولكنهم بعيدين عن واقع قيمهم الخاصة. فكل حضارة له خصوصيتها ومنظومتها التي منها وإليها يستمد النظام الاجتماعي طابعه الخاص من خلالها.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق