![]() |
أحمد أبو طبنجة |
أحمد أبو طبنجة *
على مدار الساعات تتبادل الأخبار بين الصحف والمجلات، ومع كل صباح مشرق تنتشر الأحداث على آذان السامعين، حيث تكتب الروايات بقلم عاشقيها وطرب سامعيها تتهاوى الكلمات على ألسنة العامة، وتوضع الحروف على الأسطر بين كل حدث وبين فواصل تحسم الأمر، ومع قهوة ساخنة على ضفاف النيل ومزاج هادئ تنبع الروح الأبدية، وفي كل دقيقة تتناقل الأخبار التي تكون سبباً في سعادة شخص ما، أو بناء حضارة جديدة، وعصراً مشرقاً بالأعمال، أو يوماً تشرق الشمس فيه وهي نابعة من قلبها نصراً بعد ليل حالك وظلام أسود، أو يمكن أن تكون كارثة تحمل معها صراعات سياسية، وحروباً عالمية، ودماراً يحل على رؤوس مواطنيها، أو قد تكون سبباً في هدم الدول وانتشار ظلم الحاقدين وفساد العابثين في أركان الدول والمجتمعات.
وفي ذلك الوقت تكون الكلمة هي من تحدد الطريق إما أن يكون شائكاً ومليئاً بالعقبات، أو طريقاً تتفتح فيه الورود والزهور محيية العظماء لإنجازاتهم التي غيرت مسرى الحياة، والتي أدهشت العالم كله بما وصلوه من تقدم في مختلف أنواع المجالات، طريقاً زاهياً بالحرية والأمل والمحبة والسلام، طريقاً يحيطه العلم والمعرفة من كل الأرجاء، طريقاً تعلوه رؤوس الأبطال وتشرق فيه شمس الانتصار محيية العظماء الذين غيروا حياة الملايين.
ومن هؤلاء العظماء ذلك الرجل العظيم الذي شفى قلوب الملايين من الناس بطيبته وابتسامته، حيث ولدت على يديه حكايات الأبطال الصغار، ذلك الرجل الذي كان يحارب دائماً من أجل أولئك الأطفال، حارب همهم ونشر ابتسامتهم، حارب حزنهم وأظهر فرحتهم، إنه الطبيب مجدي يعقوب.
ولا عجب أن أتذكر تلك المرأة الريفية، التي أبت أن تعيش في مجتمع جاهل في الوقت الذي كان العلم هو سلاح الحروب، بدأت من هذه القرية الريفية حتى أدهشت العالم كله بأبحاثها، وبما وصلت في مجال الذرة إنها العالمة سميرة موسى، وغيرهم من هؤلاء العظماء الذين سلكوا ذلك الطريق، وخلدوا أسماءهم على حائط الإبداع والتقدم.
أولئك العظماء الذين تتفتح الورود لإنجازاتهم، لترى بطولاتهم التي خلدها ذلك الطريق بين ورود العلم والتفكير، وبساطاً سندسياً أخضر ملفوفاً بتقدم وازدهار، وحباً يتلألأ بين الأشجار، ونوراً يشع من وجههم كنور الشمس في النهار، وروحاً تعشق رؤيتهم لتسلب منهم كل حزن وألم وغم وهم، دفن في قلوبهم حتى أصبح كأشجار بلا أوراق، وجذع بلا ساق، تمحو كل ما يشغلهم لتدفعهم إلى التفكر في هذا الكون الفسيح، وعظمة الخالق السميح، لتنير عقولهم بالمعرفة وتمهد دربهم إلى الأمام، فلذلك يجب عليك تحديد مصيرك المحتم، إما أن تختار طريق سعادتك، وتخلد اسمك بين أولئك العظماء، أو تختار طريق تعاستك وتخفي اسمك بين تلك الأشجار الفاسدة قبيحة المنظر ومنبوذة الرائحة.
فعلينا أن نمعن النظر في هذا الموضوع قليلاً، ونفتح مجالاً لنسأل أنفسنا هل من الصعب أن يعم السلام في العالم؟ أو هل من الصعب انتشار المحبة والرخاء؟ أم أننا اعتدنا على رؤية الدماء وقتل الأطفال والكبار والأبرياء، وانتهاك الحقوق والحريات والعقائد والديانات؟ هل نسعد ونفرح عند موت أحد منا، أو هجرة مجموعة من الأفراد من بيوتهم بالقوة؟ بمجرد أن حدث انفجار في منطقة ما ويتركون ذكرياتهم يودعونها والدموع تنهمر من أعينهم لفراق تلك الذكريات التي حفرت بسمتها في قلوبهم، وبعدها يرحلون في طريق يقطع تلك الذكريات بأسلاك شائكة، ذلك الطريق القاسي الذي لا مأوى له من برد الشتاء ولا حر الصيف، طريق لا نهاية له، طريق مليء بالثغور والحفر، ودم يسيل من تحت أقدامهم لخوفهم من ذلك الانفجار، وصوت صرخات الأمهات وهي تنادي على أبنائها لتصل بهم إلى بر الأمان.
إنه شريط يعاد كل يوم ولكننا نجهل ما يحدث لأن هناك الكثير والكثير يتحكم بحياتنا بجهاز تحكم عن بعد؛ ليقوم بإعادة حياتنا، وبإعادة ذلك الشريط الذي مات قلبه من كثرة الطعنات، وبرد دمه من كثرة الألم، وجفت عيونه من كثرة الدموع، نحن لا نريد التكلم لأن من يتحكم بحياتنا هو من نعمل لأجله، حتى نتمتع بحياة زائفة لنبقى في صمت، هل نحن ضعفاء إلى هذا الحد؟ هل مات ضميرنا وهل عميت أعيننا عن الحقيقة؟ ليرد كل صامت ذليل يرضى بقليل من المال ليصمت عن واقع سالب لكل ما نملك في الحياة، واقع أسود وإطار كذاب، هل نسعد عندما نفقد أحداً عزيزاً علينا أو يمدنا بقرابة وصلة رحم؟ أو نسعد برؤية الناس وهي تجري في الشوارع والطرقات خوفاً من أن تصاب بمكروه بسبب دمار قادم إليهم، أو أننا نسعد لسماع صوت الطلقات وضرب المدافع والصواريخ، وأناس تجري في الشوارع تبحث عن أبنائها لتحميهم من ذلك العدو الذي جعل حياتهم جحيماً قيدها بسلاسل من نار؟ وصوت بكاء طفلة صغيرة لأنها كانت تلعب وتغني بدميتها وبعدها تحل عليهم نار قذفت كل من أمامها، تلك الطفلة التي تبكي لأنها فقدت أمها أو أباها، أو دمعة أم على خديها لفقد ابنها لأنه أراد أن يذهب ليتطوع في حرب لا نهاية لها.
هل تضحكون عند رؤية ذلك الألم على وجوه الأبرياء؟ هل هو لهو ومتعة وانبساط بالنسبة لكم أم أنكم تشعرون بانتصار على الفقير والمسكين والمحتاج والأعمى وكبير السن؟ أما كانت كل ما تتمناه في هذه الحياة هو أن يلهم الله أبناءها طريق الحق والرشد والصواب، وأن يزيل عنهم متاعب الحياة؟ أو طفلة كانت تحلم بأن تكون عازفة بيانو لكي تخفف من ألم أولئك الأطفال الذين فقدوا أعز ما يملكون في الحياة، أخبروني الآن هل هذا فيلم كتبت كلماته من قلب حجر وتجعلون أنفسكم أبطالاً على قلوب بسيطة لا تعرف إلا الحب والحنان بينهم، هل اعتقدتم أن الأبطال هم الذين يسفكون الدماء ويطلقون الطلقات بدماء باردة؟ بل تلك القلوب البسيطة التي لا تعرف إلا الحب والحنان بينهم، تلك القلوب التي رسمت بسمتها على المياه ولونت حياتها بألوان حب وألم، وإطار يحكي عن حكايتها التي كانت بين الأشجار، وبيوتها التي نقش عليها تاريخ طويل يحكي عن مدى الظلم الذي عاشوه، والذل الذي لم يفارق أعينهم، ولكن مع ذلك مازالوا يعيشون ويعتقدون أن هناك أمل.
إنه أصعب شعور، إنهم لا يحتاجون إلى الحنان لأنه مات منذ زمن ولكنهم يحتاجون إلى الأمان الذي لم يشعروا به منذ أن وجدوا على هذه الحياة القاسية، لأن هناك شيئاً قاسياً يسمى الخوف، لا يفارقهم طوال حياتهم، فاعلم أن ليس كل الأفلام حقيقة ربما تخفي أسرارها وراء تلك الجدران، فلنستيقظ من هذا الوهم الذي يعايشنا في حياتنا، هل خلقنا لنشر الفساد ودس الخراب بيننا، أم خلقنا لتحقيق السلام في الأرض وحماية بعضنا والتمتع بجمال الطبيعة التي رزقنا الخالق وأبدعها لنملأها سلاماً؟ هل لاختلاف الجنسيات أو الديانات أو لاختلاف اللغات أو لون البشرات، هل نحن نسعى من أجل ذلك؟
لكم حرية ما تقولونه ولكن الأمر لا يحتاج إلى التفكير طويلاً، لأننا لو استطعنا تغيير أنفسنا سوف نستطيع تغيير العالم، فالعالم بين أيدينا فهبوا معاً لننقذه من الدمار الذي لحقه، أنتم أيها المفكرون والباحثون والمحللون والنقاد والسياسيون والحكام والقادة والرؤساء والجيش والإعلام والصحافة، إني أخاطبكم بلسان هؤلاء الأبرياء، كل نقاش وحداد وفلاح وبياع، بلسان المعلمين الذي ينشئون الأجيال المقبلة وينهضون بمهد جديد بشباب الإبداع والتميز، بلسان الأطباء ذوي القلوب البيضاء يعالجون الجرحى والمصابين لينشروا الدواء ويحاربوا العلة ليبقى مجتمعنا متعافياً.
إني أخاطبكم بلسان كل من يريد الحق، ويتمنى أن تزال تلك العقبات من الطريق الذي يمر به العالم كل يوم، ولكن الفرق أن تلك الحصى لم تعد تساوي شيئاً في نظر تلك العيون لأنها مجرد رماد تزيله الرياح، إني أخاطبكم باسم من لا يرضى بالظلم والهوان، إني أخاطبكم بسلاح الحق والسلام، إني أخاطبكم بكل شخص رافض لما فيه كثير من الأماكن من خراب وفساد، لأن من يسكت عن الحق شيطان أخرس، إني أخاطبكم بلسان الشعب بلسان أحمد وعيسى وموسى ومحمد ويوسف وصالح وإبراهيم، أخاطبكم باسم فلسطين وسوريا والعراق ولبنان وتونس والمغرب والجزائر والأردن وليبيا ومصر، أخاطبكم أنتم أيها الساعون وراء كتابة الكلمات لكن تتجاهلون المصير المحتم، الذي يعلو صوته بين أصوات الحق الصاخبة عالية كالجبال، هل هي حمل ثقيل عليكم، أم توقظكم من نومك كل صباح؟ أم أنكم تحتاجون لدواء لكي يعالج ذلك الصداع الذي لا ينتهي، ولكن دواءكم لن يفيد أبداً لأنكم تسعون بقدر ما تملكون من لهو الدنيا لإخفاض تلك الأصوات، ولكن هيهات أخيل لكم أنكم قادرون على أن تخفضوا صوت الحق، أخيل لكم أنكم قادرون على إخفاضه، أم أنكم لم تعرفوا أن صوت الحق هو صوت كالصخر مهما هوت به الرياح لا يلين ولا ينخفض، مهما فعلتم لإخفاضه فلن ينخفض طالما الظلم الأسود بين أعينكم التي تشعل من أجوافها ناراً كاللهب، وطالما الظلم ينتشر في القرى والأحياء والأصوات تعلو من الحزن والألم والنيران تحرق كل من يأتي بجانبها، فلن يهدأ صوت الحق أبداً.
أني أخاطبكم أمام الأمر الواقع لأرى ماذا ستقولون أو ماذا ستفعلون، أم أنكم ستخفون حقيقتكم وأفعالكم خلف الستائر وخلف الصور والكاميرات.. العالم على المحك، إني أخاطب ذلك القلب القاسي ألا يلين لكل هذه الآلام والأوجاع، يكفي دموعاً وألماً، يكفي دماء تسيل أصبحنا أمواتاً في تلك الحياة والله لو كان قلبكم حجراً للان الحجر وقال لا، أين الآن حقوقنا؟ نحن لا نريد شيئاً، نريد فقط أن نعيش بسلام، عالم تفنى منه الحروب والنزاعات، عالم مليء بحب وحنان، يا أيها القلب القاسي اتركنا وارحل دعنا نعيش بسلام، دعنا نعيش بأمان..
أوجه رسالتي راجياً من الله أن يجعل كلام طفل ساع وراء الخير والصلح بينكم يزيل قضبان الحديد حول قلوبكم الغليظة، أوجه رسالتي لكم محملة بحب كبير ومودة.
* طالب، مصر
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق