محمدعبدالمرضي منصور: التطوّر العلمي والتأخر السّلوكي - باث أرابيا patharabia

Last posts أحدث المواد


2/24/2023

محمدعبدالمرضي منصور: التطوّر العلمي والتأخر السّلوكي

مشاهدة

محمد عبدالمرضي منصور *

صنع الإنسان علاقة طرديّة غريبة بين التطور في العلوم كافة والتأخر السّلوكي؛ فكلما تطور علم الكيمياء chemistry زاد نهم الإنسان في الحصول على المال من صناعة أدوية ضرها أكثر من نفعها برغم وجود البدائل الطبيعية الآمنة حتى أصبح الدواء الكيميائي لا غنى عنه.

ومن العجيب أنه يجري إقناع بعض الأطباء بوجوب استخدام الدواء من قبل شركات الأدوية أو الشركات المسؤولة عن الدعاية لتلك الشركات، حتى دون داعٍ لخداع المريض أحياناً، وإقناعه أنه لا يستطيع التعامل مع الأمراض البسيطة مثل الأنفلوانزا الموسمية، التي ليس لها علاج على الإطلاق بسبب التطور الجيني المستمر للفيروس، ودور الفيتامينات ما هو إلا تقوية لجهاز المناعة حتى يتغلب على الفيروس.

 فبدلاً من استخدام الفيتامينات المُصنّعة كان يجب على الأطباء إرشاد المرضى إلى الأطعمة الطبيعية أو الفاكهة أو غيره والتي فيها المركبات المطلوبة للجسم من فيتامينات وعناصر ومساعدات على الامتصاص وغيره في النبات نفسه، وبالكميات التي يحتاجها الجسم دون ضرر له ودون أن يضطر الكبد للتعامل مع السموم الموجودة في الأدوية الصناعية، وهو ما يُسمّى الطب البديل الذي بدأت الشعوب الغربية في استخدامه الآن للحفاظ على الصحة.

وبرغم ذلك قد زرعت بعض شركات الأدوية أفكاراً داخل عقول الشعوب بأن أدويتها هي سبب الشفاء مُستغلة عدم قراءة الكثير للنشرة الداخلية للدواء Package leaflet التي توضح مكونات وأضرار هذه المركبات الكيميائية أو آثارها الجانبية، وقامت الكثير من الشركات المُصنّعة بإعلانات عن هذه الأدوية للجمهور في وسائل البث المختلفة.

فالصداع مثلاً ما هو إلا عرض لشيء معين مثل: نقص مركب معين كالجلوكوز، أو خلل في ضغط الدم أو التهاب في عضو من أعضاء الوجه أو بوادر ورم في المخ، فالصداع هو جرس تنبيه للإنسان وليس مرضاً؛ فهل من المنطق السماح لهذه الشركات بالإعلان للجمهور عن منتجها في وسائل البث المختلفة! كما أن الكثير من الشركات العالمية العملاقة يُكتَشف التأثير السام لمنتجها بعد سنين عدة، عندئذٍ يُسحب منتجها من الأسواق.

ولم يصل العلم الحديث لعلاج كل الأورام السرطانية بالعلاج الكيميائي فما هو إلا سموم لخلايا السرطان وبقية خلايا الجسد عامة، فهو عملية قتل لجميع الخلايا سريعة الانقسام سواء سرطانية أو غيرها، أو تدمير لبروتين الخلايا السرطانية ومعها خلايا الأعضاء الأخرى بالطبع مثل خلايا الدم والكبد وغيره، فإذا كان العلاج الكيميائي هو السبيل الوحيد لبعض الحالات حتى تعيش لسنوات، فلماذا وُضِع العلاج الكيميائي في جميع البرتوكولات حتى في حالة انتشار السرطان في الجسد ما يسمى المرحلة الرابعة!

 والعجيب أن رأي معظم الأطباء أن العلاج الكيميائي في هذه المرحلة ضرّه أكبر من نفعه بكثير، حيث يُكسّر خلايا الدم ويُضعِف المناعة ويتأثر المخ سلباً والأعصاب وجميع خلايا الجسم، وبرغم ذلك لا يستطيع الطبيب أن يتحمل مسؤولية مخالفة هذه البروتوكولات. فيموت المريض بعد مُعاناةٍ بسبب العلاج الكيميائي وليس بسبب السرطان.

فالدواء الحقيقي هو الذي يُساعد الجهاز المناعي والجسد وليس الذي يقتله.

نعم طوّر الإنسان صناعة الدواء وكذا الهندسة الطبية Biomedical engineering ولكن، بعد أن أصبح العلاج المُصنّع كيميائياً هو سبيل الشفاء الوحيد في العصر الحديث، ولا بديل معروفاً عنه، أصبح أصحاب العلوم في هذا المجال بلا رحمة بحجة قوانين حقوق الابتكار والملكية الفكرية، فتُباع الأجهزة الطبية والتركيبات الصناعية بعشرات الآلاف من الدولارات، ويرى الكثير أنها قوانين ظالمة، فإذا كان من حق المبتكر صاحب المنتج تحديد القيمة العلمية للمنتج، فمن حق الآخرين تصنيع المنتج نفسه دون مساعدة من المبتكر، فجميع المؤسسات العلمية تعمل على الابتكار، فهل من حق من يصل أولاً إلى تطوير جهاز أن يحتكر التصنيع سنين عدة؟ فمن أدراه أن الآخر لا يُمكنه الوصول إلى الابتكار نفسه طوال مدة احتكار المنتج في المستقبل؟

ومن حق معظم المرضى وهم أصحاب المواد الخام والطاقة في بعض الدول تحديد قيمة هذه المواد المستخدمة في التصنيع؛ إلا أنهم لا يستطيعون بسبب قوانين المنظمات الدولية.

فهل من المنطق أن تكون الدعامات الطبية المستخدمة للشرايين أغلى من الذهب الخام سعراً لعدد الجرامات نفسه؟ ويكون سعر العلاج الكيميائي يقارب سعر الفضة! وبعض أجهزة الأشعة تُكلف المُصنِّع بضعة مئات من الدولارات وتباع بعشرات الآلاف منه. إنها مُعاملة الإنسان لأخيه الإنسان.

وترى شركات معدودة لاستخراج البترول Oil تسيطر على استخراجه في العالم، وتحتكر استخراج البترول من أراضي جميع الدول، وبالطبع تعمل هذه الشركات تحت غطاء دول عظمى.

وبتطور الكيمياء الحيوية Biochemistry أصبحت الدول أكثر تقدماً في تخليق الكائنات الدقيقة Monads والميكروبات Microbes التي تسبب الأمراض اللعينة وبالتالي تستخدمها في الصناعات الحربية حيث سُمّيت بالأسلحة البيولوجية.

وتطور التسليح Weaponries لدرجة أن بعض الدول قادرة نظرياً على إبادة الكرة الأرضية في غمضة عين كما يدَّعون، إنه تطور كبير في التسليح والتدمير لكنه ليس تقدماً؛ لأن تقدم الإنسان يكون بالحفاظ على الجنس البشري وعلى البيئة والمخلوقات التي تعيش معه على الكوكب، وليس بالعمل على إبادة الكوكب. فقد كان الأحرى البحث عن أسباب الحفاظ على الجنس البشري والمخلوقات الأخرى وليس كيفية التدمير.

كما أدرك علماء بعض المجتمعات الكثير عن تصرفات الإنسان وغرائزه وسلوكياته الذي سُمِّيَ علم النفس psychology  فصنعت بعض الدول مصيدة الجيل الرابع من الحروب بدون تكلفة؛ لتدفع الشعوب الأخرى إلى محاربة بعضها، حتى في الدولة الواحدة أصبح النزاع القبلي والعنصري هو الطبع السائد. واندلعت الحروب الأهلية، وزُرِعت الخيانة في الشعوب. فتصارع أبناء الوطن الواحد على الخيانة، فيقول أحدهم أنا خائن أنا أصلح للمنصب High position. ويقول الآخر أنا أكثر خيانة منه أنا الأجدر.

فبرغم تطور العلم إلا أن البشرية أصبحت متأخرة جداً. فإجادة القتل تأخر، وإجادة السرقة تأخر، واستغلال الفقير لصنع الثروات تأخر، وإبادة الطبيعة تأخر، وإلقاء المخلفات في المحيطات والبحار والأنهار تأخر، فكلما زاد العلم زاد التأخر السلوكي والحضاري.

لقد ترك الإنسان غاية الخالق من خلقه وهي العبادة والتعارف وإعمار الكون ونشر رسالة التوحيد وجهاد النفس. ولهث وراء المحرمات ودنا إلى شهواته وفسد وأفسد، ونسي أنه قَبِل الأمانة.

إنها العلاقة العكسية العجيبة التي صنعها الإنسان المُعاصر بين التطور العلمي والتقدم الحقيقي.


* بكالوريوس علوم عسكرية، مصر

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق