![]() |
عمرو عادل |
عمرو عادل *
لا يعي الكثير مفهوم التاريخ إلا أنه ذكر لسابقين رحلوا أو أحداث مرت، بل ويصل التسطيح الفكري أن التاريخ ذاته هو من هؤلاء، ويغيب عنهم أن التاريخ كاشف وليس منشئاً.
لم يصنع التاريخ رجلاً بشخصه ولا حدثاً بعينه، ولكن هؤلاء من صنعوا أنفسهم بأنفسهم. ليأتي التاريخ بذكرهم حاملاً أثرهم للحاضر والمستقبل، مؤطراً هؤلاء بين جنباته وفي سطور صفحاته؛ ليصنع منهم علماً لمن أراد أن يخطو على أثرهم، راسماً لنفسه طريقة يعلم كيف تكون البداية وإلى أي نهاية سيصل.
يعفيه التاريخ بالكشف عن أخطاء الماضي وتجنبها، ليرث حكمة السير السليم، دون الحاجة إلى تجارب وإعادة المحاولة، الأمم العظيمة هي من شكلت وعيها وبدأت بالتاريخ كأهم مورد للوعي، ومن ثم العلم والأخلاق.. إلخ.
وجعلت وعيها كجبل الثلج الظاهر، ولكن بالعمق جبل يفوقه حجماً لا يظهر، وهو التاريخ. ذلك الجذر الذي يضمن ثبات الظاهر ورونقه وهيبته.
في التاريخ قدوة للأفراد من رجال حسن خلقهم وكمل عقلهم، تراجم دول وأمم يذكرنا دائماً بأسباب تفوقهم وتأخرهم، ليس التاريخ تراجم للمسامرة والإثارة بل محل دراسة وفهم عميق لبناء خطط ورسم طرق واستراتيجيات لتكون موضع تطبيق.
عظمة التاريخ تكمن في أنه وعاء يحمل الصالح والطالح معاً، لا يختلط ذلك بذاك بل هنا سر العظمة أن هذا دوره، وهو يخبر وفقط ويترك للحاضر والمستقبل التقييم والأخذ والطرح.
يحمل بأمانة ويخبر بصدق؛ ليترك المسؤولية على من وعى أو أهدر، ليكون شاهداً على من أهدروا، ويكونون جزءاً منه في يوم ما، أنهم لم يركنوا له، وإهمالهم له ولحسن فهمه سبب خيباتهم، ويكون ضاماً لهم بين سطوره، إما استكمالاً لفشل أو مغيرين، ويكونون سطوراً مضيئة لصفحات مظلمة.
كما يصنع الإرادة دون حاجة لبثها، فإحباطات السابقين وعثراتهم وانطلاقات العابرين وتحليقهم تحث الحاليين كمحتوى موجود حقاً، ولا نقاش فيه ولا حاجة لخلقه والعمل على صنعه، وكما هو حث من الأعلى للأدنى فهو حجة للأدنى على الأعلى، حجة قاطعة وبينة ساطعة.
* ماجستير قانون، مصر
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق