لبنان: إبراهيم مرعي
أرخت الأزمات الاقتصادية والسياسية المتلاحقة التي تعيشها البلاد العربية بظلالها على المجتمع، وانعكست آثارها على الشباب الذين باتوا يبحثون عن بصيص أمل يضمن لهم وجودهم، ويفتح لهم الآفاق لتحقيق آمالهم وطموحاتهم.
فمع بداية اندلاع ما يسمى بـ"الربيع العربي" أواخر العام 2011، بدأت تتكشف الأزمات وتتراكم المصائب على المجتمعات العربية، فاندلاع الحرب في سوريا والعراق وليبيا واليمن، والأزمات الاقتصادية التي يمر بها لبنان ومصر وتونس والجزائر، قضت على القطاعات الإنتاجية ورفعت نسبة البطالة، وتعالت خطابات العنف وازداد معدل الجريمة، ما دفع الشباب للهجرة مقابل أي ثمن، ومن تبقى منهم يلفظ الأنفاس الأخيرة بحثاً عن أمل في حياة تضمن له عيشاً كريماً ومستقبلاً واعداً.
وما زاد الأزمة تفاقماً ظهور فايروس كورونا (كوفيد 19) أواخر العام 2019 في العالم وتأثيره على الاقتصاد العالمي والعربي، والذي أدى إلى انخفاض فرص العمل وارتفاع نسبة البطالة.
ومع هذه الأزمات وتلك، دفع الشباب العربي ثمناً باهظاً وفقد الكثير منهم الأمل في البقاء، فانعكست الأزمات الاقتصادية والصراعات السياسية على المجتمعات العربية.
فقد كشفت منظمة العمل الدولية أن الدول العربية تسجل أعلى وأسرع معدل بطالة بين الشباب في جميع أنحاء العالم.
وتوقعت المنظمة، في تقرير حديث عن «اتجاهات التوظيف العالمية للشباب 2022: الاستثمار في تحويل مستقبل الشباب»، أن يصل معدل البطالة وسط الشباب في دول المنطقة العربية إلى 24.8% أواخر العام الحالي.
وسجل التقرير أن الوضع أسوأ بالنسبة للشابات في المنطقة العربية، حيث بلغ معدل البطالة بينهن 42.5% في العام الحالي، وهو أعلى بنحو ثلاثة أضعاف من المتوسط العالمي لبطالة الشابات (14.5%).
وفي ظلّ هذه الأزمات بات الشباب فرائس سهلة لليأس والإحباط، وأكثر عرضة لأفكار التطرف والإرهاب مقابل أي شيء يضمن لهم بقاءهم.
وفي هذا التحقيق الصحافي المخصص لموقع "باث أرابيا"، سنكشف الواقع المأساوي الذي يعيشه الشباب في الدول العربية، وما طموحاتهم وآمالهم في المستقبل.
واقع الشباب العربي
يعيش الشباب العربي في تخبط وضياع وإحباط وانهزام بعد فقدانهم الأمل جراء ما تواجهه البلاد العربية من أزمات، فمع ارتفاع نسبة البطالة واتساع رقعة الفقر، وقع الشباب العرب في مصيدة المخدرات ودخل الكثير منهم في دهاليز الإرهاب وأفكار التطرف، فقد حذر تقرير برنامج الأمم المتحدة الإنمائي من أنّ تهميش الشباب العربي وتجاهل أصواتهم وإمكاناتهم غذى إمكانية انخراطهم في جماعات متطرفة، وحوّل الشباب من قوة بناء إلى قوة هدامة تسهم في حالة عدم الاستقرار، وتهدد أمن المجتمع.وكشفت التقارير أنّ الكثير من الشباب الذين انخرطوا في جماعات متطرفة، كانوا ضحية للأزمات الاقتصادية وانعدام فرص العمل ما دفعهم للانخراط في هذه الجماعات مقابل المال.
إضافة إلى ذلك، دفعت الأزمات الاقتصادية بعض الشباب للعمل والاتجار بالمخدرات والممنوعات، ففي لبنان وحده كشف تقرير "الدولية للمعلومات" أن 48% من طلاب الجامعات في لبنان يتعاطون المخدرات أو يتاجرون بها.
كذلك كشفت التقارير أن لبنان يتصدر المشهد العربي في الإتجار بالمخدرات والتصدير إلى العالم العربي، فلا يكاد يخلو يوم من إحباط عملية تهريب أو إلقاء القبض على عصابة مخدرات.
من جهة أخرى، دفعت الأزمات الاقتصادية الشباب العربي للهجرة خارج الدول العربية. فحسب التقديرات بلغ عدد المهاجرين من الدول العربية نحو الخارج قرابة 32,8 مليون نسمة أواخر العام 2020.
إلى جانب ذلك ارتفعت جرائم السرقة والقتل في الدول العربية نتيجة الأزمات الاقتصادية، وانعدام الأمن، ففي تقرير "الدولية للمعلومات" بلغت نسبة السرقة في لبنان 265% ونسبة القتل 101%.. بينما احتلت سوريا المرتبة الأولى عربياً والتاسعة عالمياً في ارتفاع معدل الجريمة حسب تصنيف "numbeo" العالمي.
أيضاً أسهمت الأزمات الاقتصادية التي تعيشها البلاد العربية في ارتفاع حالات الطلاق والانتحار والأمراض النفسية نتيجة الضغوطات التي يعيشها الشباب العربي.
إنّ الأزمات الاقتصادية والسياسية التي تعيشها الدول العربية جعلت الشباب في دوامة الصراع بين الوجود والعدم، ويبقى السؤال الأهم، ما طموحات الشباب العربي في المستقبل؟
للإجابة عن هذا السؤال أجرت "باث أرابيا" استطلاعاً شمل أكثر من 50 شاباً وشابة من بلاد عربية مختلفة، وكان السؤال: ما طموحاتكم في السنوات المقبلة؟
فكانت النتيجة كالآتي:
سوريا: "إنّ سوريا كانت منارة العلم والثقافة والرخاء إلى أن دخلت آلة الحرب وهجّرت أهلها وشبابها، وكل أمانينا اليوم هي استقرار سوريا وعودة أهلها إليها".
وترى زينة السبع أعين، أن "الحرب قضت على أحلام الشباب وطموحاتهم، ودفعتهم للهجرة خارج سوريا، طموحنا في المستقبل أن نوقف هذه الحرب العبثية ونبني سوريا من جديد بأيدي شبابها".
ومن لبنان، يقول المخرج والمنتج ربيع جانبين: "إنّ طموح اللبنانيين أصبح متشابهاً اليوم بعد تراكم الأزمات الاقتصادية والسياسية وقلة فرص العمل، واتساع رقعة الفقر، طموحنا اليوم أن يعود لبنان منارة الشرق وباريس العرب".
ومن لبنان، يقول المخرج والمنتج ربيع جانبين: "إنّ طموح اللبنانيين أصبح متشابهاً اليوم بعد تراكم الأزمات الاقتصادية والسياسية وقلة فرص العمل، واتساع رقعة الفقر، طموحنا اليوم أن يعود لبنان منارة الشرق وباريس العرب".
![]() |
المخرج والمنتج ربيع جانبين |
فيما تقول آلاء سيف الدين: "إن طموح المستقبل حل مشاكل اليوم، لبنان كان واجهة الشرق ومقصد العرب، لكن الفساد تغلغل في أركانه، والطموح أن يعيد الشباب لبنان إلى خارطة العالم بمشاركتهم في صنع القرار وإمساك زمام الأمور".
ومن مصر، يجيبنا بلال بسيوني "إن مصر تعيش اليوم أزمة وجودية غير مسبوقة، كانت مصر أم الدنيا، لكنّها اليوم تفقد هويتها التاريخية في ظل الأزمات التي تعيشها، أطمح أن تعود مصر لما كانت عليه يوم كان "العيش ببلاش".
وتستذكر لنا ماي عوض تاريخ مصر وتقول: "كان أبي يخبرني أنّ مصر كانت عاصمة العلم وميدان المعرفة، واليوم تراجعت جودة التعليم ومقومات الحياة، طموحي أن أعيش في مصر التي أخبرني عنها أبي".
ومن اليمن، يقول محمد آل دريب: "أنهكتنا الحرب، وأذلنا الجوع، كنّا أسياداً في وطننا، واليوم نحن نبحث عن فتات الخبز في القمامة، أملي أن نصبح في يوم لا نبحث فيه عن خبزنا في القمامة ولا نودع فيه صديقاً التراب".
ومن ليبيا، يؤكد مصعب الكراغلة، أن "الوطن الآمن هو أقصى أماني الإنسان، أن يعود الأمن لبلدنا الحبيب ليبيا هو أقصى أمانينا".
ومن فلسطين يشاركنا المدرس الجامعي أنور موسى رأيه ويقول: "إن طموحاتنا في فلسطين واحدة وأملنا واحد هو أن تعود إلينا فلسطين".
ومن البلد نفسه، يؤكد محمد الخضر"أن تكون فلسطين حرة أبية وتكون الحدود والمعابر كلّها مفتوحة بيننا وبين أخوتنا العرب هذا طموح كلّ فلسطيني".
وتستذكر لنا ماي عوض تاريخ مصر وتقول: "كان أبي يخبرني أنّ مصر كانت عاصمة العلم وميدان المعرفة، واليوم تراجعت جودة التعليم ومقومات الحياة، طموحي أن أعيش في مصر التي أخبرني عنها أبي".
ومن اليمن، يقول محمد آل دريب: "أنهكتنا الحرب، وأذلنا الجوع، كنّا أسياداً في وطننا، واليوم نحن نبحث عن فتات الخبز في القمامة، أملي أن نصبح في يوم لا نبحث فيه عن خبزنا في القمامة ولا نودع فيه صديقاً التراب".
ومن ليبيا، يؤكد مصعب الكراغلة، أن "الوطن الآمن هو أقصى أماني الإنسان، أن يعود الأمن لبلدنا الحبيب ليبيا هو أقصى أمانينا".
ومن فلسطين يشاركنا المدرس الجامعي أنور موسى رأيه ويقول: "إن طموحاتنا في فلسطين واحدة وأملنا واحد هو أن تعود إلينا فلسطين".
ومن البلد نفسه، يؤكد محمد الخضر"أن تكون فلسطين حرة أبية وتكون الحدود والمعابر كلّها مفتوحة بيننا وبين أخوتنا العرب هذا طموح كلّ فلسطيني".
ومن الأردن، يرى قيس البردوني أن "الاستقرار الاقتصادي وتوفير فرص العمل طموح كلّ شاب أردني، إضافة إلى تحسين جودة التعليم والطبابة والمشاركة في صنع القرار".
ومن قطر، يقول الشاعر والكاتب سهيل الدوسري: "إن طموحي أن تصبح دولة قطر الدولة الأولى عالمياً على الصعد كافة، وأن يصبح الشباب القطريون نماذج يقتدى بها في العالم".
ومن تونس تتحدث لنا الطالبة الجامعية آمنة قيقة، بقولها إن التضخم بلغ في تونس 8.6% والانهيارات الاقتصادية تتوالى على البلد، والصراع السياسي أنهك البلاد والعباد، طموحنا اليوم أن تتحسن الأوضاع وتنتهي هذه الصراعات لنعيش بأمن ورخاء".
بعد الاستطلاع كانت معظم الإجابات متقاربة، حيث يطمح الشباب العربي لانتهاء الصراعات السياسية والحروب وتوفير الأمن والرخاء للبلاد العربية، والمشاركة في اتخاذ القرارات والسلطة، وأن تتحد البلاد العربية في تقرير مصيرها ودعم بعضها في مواجهة الأعداء.
![]() |
محمد فرحات |
وأضاف فرحات: "أنّ الضرورة ملحة اليوم لدعم الشباب وإعادة الثقة لهم وإفساح المجال لمشاركتهم في صنع القرار".
من جانب آخر قال المعاون في قوى الأمن الداخلي اللبناني أحمد مرعي لموقعنا: "إن الأزمات الاقتصادية التي تعيشها الدول العربية، خاصة تلك التي تعيش صراعاً طويلاً كسوريا واليمن وليبيا ولبنان دفعت الشباب إلى الانخراط في جماعات متطرفة، كما دفعتهم للسرقة والقتل والوقوع في مصيدة المخدرات".
وتابع مرعي: "إن نسبة الجرائم ترتفع يوماً بعد يوم مع استمرار الأزمات الاقتصادية، وغياب الرقابة". كما أشاد مرعي بجهود الشباب العربي وقدراتهم العقلية والبنيوية وأهمية استغلالها.
إنّ طموح الشباب العربي لا تحده حدود، ولا تمنعه الحوادث. فعلى المجتمعات العربية أن تصغي السمع، وتفسح المجال أمام الشباب، وأن تهيئ لهم الفرص ليثمروا في بلادهم.
ونترك لكم أيّها القراء هذه الإشكاليات للإجابة عنها:
على الرغم من كثرة الشباب العرب وقدراتهم، لماذا لا يستطيعون تحقيق مطالبهم وتغيير واقعهم؟ ما الحلول الممكنة للحد من هجرة الشباب في هذه الظروف الصعبة؟ وهل سيستطيع الشباب العربي تحقيق طموحاتهم يوماً ما؟
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق