![]() |
أسامة إبراهيم |
أسامة إبراهيم *
(مسابقة متطلبات الأمن والأمان التي يحتاجها الشباب العربي)
الأمن والأمان، تأمين الحماية والاستقرار المادي هما أوّل جانبين يتواردان إلى الذهن في هذا الخصوص، فحماية الأرواح وتحقيق الرفاه هي غاية المجتمعات الإنسانية عموماً. لكن، تتغاضى غالبية هذه المجتمعات عن جانبٍ آخر قد يبدو للوهلة الأولى مجرّداً وغيرَ ذي بال بالنسبة إلى استقرارها وازدهارها؛ هذا الجانب هو الأمان الشخصي أو الأمان الشخصي البيني، وهو ما بعرف بالإنكليزية بـ Interpersonal Security.
لا ريب أن حماية الأفراد واستقرارهم المادي هما عاملان في غاية الأهمية نحو بناء مجتمع متماسك وسعيد، لكنهما يبقيان عاملين خارجيين رغم أهميتهما اللامتناهية. ويكمن التحديّ الأهم حين بناء المجتمع السليم في بناء دخيلة الفرد، بناء شخصيته وكينونته الإنسانيتين. إذ لا يمكن اعتبار الاستقرار والثراء المؤشرين الأهم على سلامة البنية الاجتماعية دونما الأخذ بعين الاعتبار صحّة الأفراد النفسية ودفء كينوناتهم.
من هنا، يأتي مفهوم الأمان الشخصي البيني ليلعب دور المِلاط الذي يوحّد البيئة الاجتماعية ويضمن سلامتها. وتعرّف الجمعية الأمريكية لعلم النفس الأمان الشخصي البيني بكونه شعور الفرد بالحب وبالأمان وبالعناية أثناء تفاعله الاجتماعي. ويشير ارتفاع هذا المؤشر النفسي الاجتماعي إلى انخفاض مشاعر كراهية الآخر لدى الفرد وتجنبه القسوة في أحكامه، وهو خير دليل على الصحة النفسيّة للمجتمع عموماً.
وإذا ما نظرنا إلى الأمر بعمق أكثر لأدركنا مدى فقدان مجتمعاتنا العربية لهذا المفهوم. ألا تشعرُ نسبٌ عالية من الشباب العربي بالعزلة والتغريب؟ ألا يشعرُ الكثيرُ من الشباب العربي بالجفاء تجاه عائلاتهم ومجتمعاتهم؟ أليست مجتمعاتنا باردة قاسية تنذر بوقوع شرخٍ بين الأجيال؟ أليسَ هذا كلّه نُذُر غياب السلام الشخصي البيني؟
لا يجوز هنا لوم الأزمات المالية فقط فلكم هجرَ الشباب العربي مجتمعاتهم مع توافر الثراء والاستقرار لا لسببٍ إلا لشعورهم بالغربة ولفقدانهم الدفء والأمان العاطفي والاجتماعي في بيئاتٍ تضع المال والاستقرار كأولوياتها على حساب راحة أفرادها وتوازن كينونتهم الداخلية.
لا يصحُّ في مثل هذا السعي وراء الأمان الخارجي على حساب الأمان الشخصي إلا مقولة المسيح: ماذا ينتفع الإنسان لو ربح العالم كله وخسر نفسه؟
* ماجستير في الأدب الإنكليزي، مترجم ومهتم بالكتابة، سوريا
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق