![]() |
الأديب محمد قجة |
طرطوس، سوريا: حسام الساحلي
ولد الأديب والمربي والباحث والموسوعي (محمد قجة) في حلب في 1939 حاصل على إجازة في الأدب العربي من جامعة دمشق عام 1963 ومؤهل تربوي من جامعة دمشق عام 1964. حاصل على دراسات عليا في تاريخ الأندلس وبلاد الشام من جامعة الجزائر.
محمد قجة موسوعة من الكتب، وباحث في الحضارات والتراث العربي والإسلامي، وذاكرته المثقفة تروي لك العديد من الأحداث والمشاهد التأريخية والحياتية والفنية والثقافية، ولمن يحضر محاضراته التي تجاوز عددها 500 محاضرة في أربعين بلداً أولها سورية ثم الوطن العربي والعالم، أن يكتشف كيف تشتبك نصوص ذاكرته بنصوص الذاكرة التأريخية والانتماء والهوية لتضيء القضايا الفكرية والآثارية والتراثية والأدبية والفنية والتأريخية.
اخترنا من مواضيعه مكانة حلب في ذاكرة التاريخ والشعراء وصمودها برغم كل الكوارث الطبيعية والحروب التي مرت بها.
لمزيد من التفاصيل التقت (باث أرابيا) بالباحث والموسوعي (محمد قجة).
- كما هو معلوم، فإن الشّعرَ هو أحدُ أبرز وجوهِ التراث غير المادي التي تنْقل حضارةَ الشعوب والأمم إلى سواها من الأمم والثقافات، وقد أصبح مفهومُ التراث بشقّيه المادي وغير المادي :(العمارة، المؤلفات، الثقافة الشفوية، الموسيقى، الفولكلور، الأزياء، الأطعمة) موضعَ دراسةٍ واهتمام لدى الشّعوب كافة، وارتبط مفهومُ الحداثة بالتراث، كما ارتبط هذا المفهوم بما يسمى عصر التنوير الأوروبي والخلفيات السياسية لهذا المفهوم. وقد غدت لكلمةِ "تُراث" دلالةٌ اصطلاحية تتّصل بالموروث الجمعي للشعب، بما في ذلك من ذاكرةٍ ثقافية وحضارية وعمرانية واجتماعية وفولكلورية، ومن هنا فإن مفهوم التراث يمتدّ ليتّسع لثقافة الأمة في بُنيتها الفكرية التحتية وتفرّعاتها المختلفة. وهو بذلك يشكل العمادَ الأساس في تكوّن شخصية الأمّة وتمايُزها وهويتها المستقلّة، ولا داعي في هذه الحالة لإجراء عمليات بترٍ بين الثقافة التقليدية والثقافة الشعبية على أساس معايير نخبويّة.
* ما الأمور التي يجب أن يحرص عليها المعيار المعرفي لدراسة تراث الأمم؟
* ما الأمور التي يجب أن يحرص عليها المعيار المعرفي لدراسة تراث الأمم؟
- إن المعيار المعرفي لدراسة التّراث لدى أمّةٍ من الأمم يجب أن يحرص على المواءمة بين التاريخيّ والآنيّ والمستقبلي، وأن يرصد الحركةَ الدائمة في تطوّر النظام المعرفي على مستواه الكلاسيكي والشعبي، بما يرافق ذلك من مدٍّ وجزْر، وحركةٍ وسكون، وتطوّرٍ وانحسار. كما أن هذه المعايير تنطبق على سائر المجتمعات البشرية، وتراكُم هذه النظم المعرفية بأشكالها النخبوية والشعبية يشكل الإرثَ الحضاري. ويأتي دورُ الأجيال المتعاقبة في إنتاج معرفةٍ جديدة وربطها بالمأثور الثقافي الموروث، وتطوير ذلك في عمليةٍ لا تتوقف ولا تتراخى.
* ما المكانة التّراثية والحضاريّة لمدينة حلب السّوريّة؟
- في حلب تتعانق الحضاراتُ عبر آلاف السنين، ويزيد عددها على ثلاثين حضارة، من أبرزها السومرية والأكّادية والعمورية والبابلية والآشورية والكلدانية والحثّية والميتانية والفرعونية والإخمينية والآرامية والهلنستية والسلوقية والرومانية والبيزنطية والممالك العربية قبل الإسلام، وصولاً إلى الحضارة العربية الإسلامية التي استوعبت كل تلك الحضارات في ردائها السمح المرن المعترف بالآخر.
![]() |
سوق حلب القديم |
* ما المكانة التّراثية والحضاريّة لمدينة حلب السّوريّة؟
- في حلب تتعانق الحضاراتُ عبر آلاف السنين، ويزيد عددها على ثلاثين حضارة، من أبرزها السومرية والأكّادية والعمورية والبابلية والآشورية والكلدانية والحثّية والميتانية والفرعونية والإخمينية والآرامية والهلنستية والسلوقية والرومانية والبيزنطية والممالك العربية قبل الإسلام، وصولاً إلى الحضارة العربية الإسلامية التي استوعبت كل تلك الحضارات في ردائها السمح المرن المعترف بالآخر.
وتمثّل مدينة حلب نموذجاً للمدينة العربية بطابعها الكوسموبوليتي على مرّ التاريخ، وذلك بحكم موقعها الجغرافي ودورها التاريخي، وطبيعة التركيبة السكانية المتنوعة والمتناسقة والمنسجمة في إطار فريد من العيش المشترك والاحترام المتبادل، كما تمثّل حلب نموذجاً للمدن الإسلامية في التسامح الديني والاعتراف بالآخر والعيش المشترك بين شتى الأديان والأعراق والمذاهب، تحت مظلّة حضارةٍ إنسانيةٍ رفيعة استوعبت كلَّ الحضارات السابقة في إطار الحضارة العربية الإسلامية المرنة الداعية إلى الحوار والحكمة والموعظة الحسنة.
ولا تزال حلب تحتفظ بخصائصها هذه حتى اليوم برغم كل الظروف التي مرّت بها. كما انعكس التطوّرُ في الدَورِ العمراني والاقتصادي والفني والثقافي، والأثرِ الكبير الذي تركَتْهُ المدينةُ في نطاقها الإقليمي والعالمي، ونلمس هذا التطوّرَ في تلك الشبكة المذهلة من الأسواق وما فيها من خانات وقيساريات ومرافق حياة ضرورية ودُوْر باذخة، وفي تلك الشبكة العجيبة من قنوات المياه المبنيّة بالحجر تحت المدينة في نسقٍ هندسي بالغ الإتقان يسمح بوصول المياه إلى كافة أرجاء المدينة، وفي تلك الحياة المتآلفة المتناغمة بين أطياف السكان على اختلاف أعراقهم وأديانهم ومذاهبهم تحت مظلّة الوطن المشترك والحضارة الواسعة التي تضمّ الجميع، وفي تلك الخدمات الحضارية من مدارس وبيمارستانات وحمّامات وبساتين وميادين. وهذه العناصر كلها نجدها فيما كتبه الشعراء عن حلب.
* ما الّذي ساعد حلب في الصّمود التاريخي؟
- برغم مرّات الهدم الكثيرة التي عرفَتْها حلب، كانت في كلّ مرّةٍ تنهض من تحت الأنقاض وتستأنف دورةَ الحياة، لأن دورَها المتمثّل في عبقريّة الزمان والمكان والإنسان لا يمكن أن يمحوه عدوانٌ همجيّ يقوم به "نقفور فوكاس" البيزنطي أو "هولاكو" و"تيمورلنك" المغوليّان، أو أيُّ غازٍ ومحتلّ وطاغية، فالمدينة الخالدةُ أقوى من شراسة العدوان مهما بلغت تلك الشراسة. لقد كانت حلب دائماً تتغلّب على جراحها ولا تستسلم للضغوط التي تُمارس عليها، وتنهض دائماً بقامتها الشامخة ولا تعبأ بمن يحاول شدَّها إلى الوراء، ولا تُلقي بالاً إلى مَن يحاول وضعَ العصي في العجلات، ولا تُصغي إلى أصوات اليأس والإحباط والتشاؤم، بل يمضي فيها نهرُ الحياة متدفّقاً نقيّاً، متجاهلاً ما يُلقى فيه من شوائب أو يصدر على جانبيه من نقيق. وستظلّ حلبُ المحروسةُ خالدةً أبداً، كما عهدَها التاريخُ الطويل.
* ما مكانة حلب في التراث الشعري العربي؟
- يتردّد اسم حلب في دواوين عمالقة الشعر العربي منذ القرن الهجري الأول (السابع الميلادي) حتى يومنا هذا. ويكفي أن شعراء مثل "البحتري" و"المتنبي" و"المعري" و"الصنوبري" وعشرات سواهم تغنّوا بحلب ووصفوا طبيعتها وقلعتها ونهرها وأسواقها وأهلها ومبانيها، وأفصحوا عن إعجابهم بالمدينة وسكّانها بقصائدهم. كما عبّر الشعراء عن شوقهم وحنينهم إلى هذه المدينة الجميلة، سواء أكانت مسقط رأسهم أم مكان زيارتهم. ولأن الحنين قد رافق حياة الإنسان منذ بداياتها، بصفته دائم التنقّل والرحيل والفراق، ولأن الألفة شعورٌ يولد مع الإنسان ويرافقه، فقد كان طبيعياً أن نرى أكثر الشعر الذي قيل في حلب هو شعر شوقٍ وحنين إليها وتغنٍّ بها وتذكّرٍ لمرابعها وأهلها.
* ما الّذي ساعد حلب في الصّمود التاريخي؟
- برغم مرّات الهدم الكثيرة التي عرفَتْها حلب، كانت في كلّ مرّةٍ تنهض من تحت الأنقاض وتستأنف دورةَ الحياة، لأن دورَها المتمثّل في عبقريّة الزمان والمكان والإنسان لا يمكن أن يمحوه عدوانٌ همجيّ يقوم به "نقفور فوكاس" البيزنطي أو "هولاكو" و"تيمورلنك" المغوليّان، أو أيُّ غازٍ ومحتلّ وطاغية، فالمدينة الخالدةُ أقوى من شراسة العدوان مهما بلغت تلك الشراسة. لقد كانت حلب دائماً تتغلّب على جراحها ولا تستسلم للضغوط التي تُمارس عليها، وتنهض دائماً بقامتها الشامخة ولا تعبأ بمن يحاول شدَّها إلى الوراء، ولا تُلقي بالاً إلى مَن يحاول وضعَ العصي في العجلات، ولا تُصغي إلى أصوات اليأس والإحباط والتشاؤم، بل يمضي فيها نهرُ الحياة متدفّقاً نقيّاً، متجاهلاً ما يُلقى فيه من شوائب أو يصدر على جانبيه من نقيق. وستظلّ حلبُ المحروسةُ خالدةً أبداً، كما عهدَها التاريخُ الطويل.
![]() |
قلعة حلب |
- يتردّد اسم حلب في دواوين عمالقة الشعر العربي منذ القرن الهجري الأول (السابع الميلادي) حتى يومنا هذا. ويكفي أن شعراء مثل "البحتري" و"المتنبي" و"المعري" و"الصنوبري" وعشرات سواهم تغنّوا بحلب ووصفوا طبيعتها وقلعتها ونهرها وأسواقها وأهلها ومبانيها، وأفصحوا عن إعجابهم بالمدينة وسكّانها بقصائدهم. كما عبّر الشعراء عن شوقهم وحنينهم إلى هذه المدينة الجميلة، سواء أكانت مسقط رأسهم أم مكان زيارتهم. ولأن الحنين قد رافق حياة الإنسان منذ بداياتها، بصفته دائم التنقّل والرحيل والفراق، ولأن الألفة شعورٌ يولد مع الإنسان ويرافقه، فقد كان طبيعياً أن نرى أكثر الشعر الذي قيل في حلب هو شعر شوقٍ وحنين إليها وتغنٍّ بها وتذكّرٍ لمرابعها وأهلها.
وقد أفاض الشعراء في الحديث عن حلب كمركزٍ لمقاومة الاحتلال وصدّ الغزاة على مر العصور، وامتدحوا البطولات التي عرفتها تلك المدينة في قادتها وفي جندها وعامة أهلها. فقد بقيت حلب مطمعاً للغزاة منذ فجر التاريخ وحتى العصر الحديث، ولكنها كانت دوماً تنفض عن كاهلها غبار المحن، وترفع رأسها عالياً بوجهها السمح المشرق وجوّ المحبة والألفة والتعاون بين أبنائها، وتخرج من بين أمواج الغزو والمصاعب نقيّةً صافيةً عربيةَ القلب والهوى والفكر واللسان. كما لم ينس الشعراء أن يندبوا المدينة ويبكوها إذا ألمَّ بها طارئ من زلزال أو طاعون أو مظالم حاكم. فقد ذاقت حلب الصابرة أهوال الزلازل غير مرة، واجتاحها الطاعون ففتك بأبنائها، وتفنّنَ في ظلمها وإلحاق الأذى بها كثيرٌ من ولاتها وحكامها، وهي صابرةٌ صبرَ الكبرياء لا صبرَ الهوان، مدركةٌ أنها هي الباقية وهي المستمرة المتجددة.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق