![]() |
الدكتور عبدالله المطيري |
نعلم أنه يحبنا
وقال د. المطيري في تغريداته: (في نهاية التسعينات وبداية الألفين كانت أبها مزار الحفلات الغنائية. المزار الوحيد هناك في مسرح المفتاحة. أعلن في أغسطس 2000، الجمعة 11، عن حفلة تضم كل من عبدالله بالخير وعبادي الجوهر وطلال مداح. كنت في تلك الفترة عباديّ الهوى وكان حضور حفلة لعبادي حلم من خيال.لم أكن لأغامر بشراء التذكرة يوم الحفلة. ذهبت للمفتاحة قبلها بأيام وحصلت على تذكرتين واحدة لي والأخرى لعبدالمحسن المطيري @Abudul_m .
ظهراً.. أذكر جيداً دهاليز المسرح وربطة التذاكر التي استلّ منها موظف المسرح اثنتين. بدأت الحفلة في حدود العاشرة. حضرنا مبكراً فكل شيء كان يستحق التبكير..
انطلقت الحفلة بوصلة لعبدالله بالخير.. كنا نعرفه جيداً ونستمتع بأغانيه والحضور المسرحي الذي يتمتع به... مع هذه المتعة كان الانتظار يملأ المكان.. عبادي وطلال.. ثنائي الطرب الأعمق.. الأستاذ وتلميذه.. موئل القلوب الرقيقة والأمزجة الصعبة..
انتهت وصلة بالخير وكان توديعه الصادق.. ترحيب أصدق بمن سيأتي بعده.. عبادي لوحده بهجة من طرب.. فما بالك وهو بشارة بطلال مداح.. المسرح ممتلئ بكامل طاقته من المقاعد أما طاقته من الطرب والحب فمفتوحة بلا حدود.. أطلّ عبادي ممسكاً برفيقه.. عوده الذي لا يشبهه شيء..
كان عبادي في تلك الليلة أسرع من عبادي.. كان يختصر الأغاني.. عشرة الأبيات تصبح خمسة.. وكأنه في عجلة من أمره.. علمنا لاحقاً أنه فعل ذلك لكي لا يتأخر على طلال.. لكي لا يضطره للسهر أكثر.. كان قد لمح عليه علامات إرهاق وتعب..
ودّعنا عبادي ونحن في ربكة استعجاله، لكن إقبال طلال مداح ملأ المكان بفرح يغسل ما قبله.. كان طلال بلا حدود.. كان التاريخ، اللطف، الضعف المتمثل في جسد من فنّ، الصوت الأعذب، الراء المتمردة على اللسان.. الغناء الأدق والأكثر تفصيلاً في التاريخ..
يدخل طلال ويضع يده على صدره.. على قلبه نعلم أنه يحبنا ويود لو صافحنا واحداً واحداً.. لكنه لا يستطيع .. لذا وضع يده على قلبه وكأنه يقول لنا أنتم هنا.. في قلبي.. وكنا نعلم ذلك جيداً.. في سحر حضوره لم نر إلا جلال الفن.. لم نر ألمه ولا ضعف جسده..
رفع طرف غترته البيضاء عن خده الأيمن كما يفعل كثيراً.. وكأنه يسمح لنا بتقبيله.. قبلة الوداع ربما... لبس البياض وكأنه يعلم.. بدأ بموال.. دعاء.. الله يرد خطاك لدروب خلانك.. كما يفعل العشاق. يتعلّقون بأطراف الأمل.. ويرسمون دروباً من خيال..
حين تسمع طلال يغني أمامك.. فإنك لا تسمع مباشرة.. حضوره الهائل يأخذك بالكامل.. تنفصل عن الواقع لفترة في حالة من الانشداه العجيب.. يعبر موال طلال إليك دون أن يمر بفهمك وإدراكك.. يستوعبك قبل أن تستوعبه..
الموال تحية خاصة.. فاتحة فرديّة.. مودة خاصة بين الفنان والجمهور قبل أن ينضم لفرقته الموسيقية.. على كرسيّه.. ذلك الفنان الجليل.. يحتضن عوده.. نظارته الشهيرة التي انتمت له وسميت باسمه.. "نظارة طلال مداح".. بعد مشيه الهادئ في الموال .. ركض مع الفرقة .. "الله يرد خطاك لدروب خلانك"..
فجأة صمت كل شيء.. كانت وفاة طلال مداح وفاة صوتية في تجلٍ صامت لذاته الموسيقية.. توقف الغناء.. مات طلال مداح.. سقط على يمينه... على خده المكشوف.. وكأنه قد أعده للقاء الأرض.. الأرض التي كان صوتها.. الصوت الذي اشتاق لأمه.. عاد لها وصمت..
لم نكن نعلم أنه مات.. وإن كنّا شهدنا موته أمام أعيننا.. خرج علينا المذيع فهد الحمود ليطمننا عليه.. لم نصدق ولم نكذّب.. لكن ستارة المسرح التي أغلقت أمامنا أعلنت بوضوح عن نهاية كبرى.. ذروة الختام...
أذكر جيدا الخواء الذي ملأ المكان... ونداء من أعلى المسرح.. نداء أدرك الحقيقة ولم يتوقف عن الأمل "لا تخلينا يا أبو عبدالله... لا تخلينا يا أبو عبدالله".. أدرك الوداع ولم يؤمن به.. كانت ساحات المفتاحة في الخارج بلا ملامح.. وكأنها فراغ بلا حدود.. رحل طلال ولم يغادرنا).
تعليقات جمهور تويتر
وفي تعليقه على ما كتبه د. عبدالله، قال عبدالمحسن المطيري @Abudul_m : الله، لا انسى وقتها اكتشاف خبر وفاة طلال مداح رحمه الله في بهو مطار الملك خالد من اليوم التالي، وقتها لم يكن هناك انترنت واخبار سريعة، ووقعت العين عن صحيفة الرياضية.أما تركي عصلوب @AsloobT فكتب: رحمة الله تتغشى أبو عبدالله ، كان ذاكرة غنائية لوطن بأسره. ولم يقتصر الأمر على ذلك بل بحضوره في ذاكرتنا بعفويته و طيبته وقدم لنا كل ذلك في كلمة واحدة #طلال_مداح .
وقال د. إبراهيم أبوهادي النعمي @alnemi1 : ما أجمل هذا السرد د. عبدالله، ورحم الله أبو عبدالله.
من جهته، علّق د. عبدالله القرني @DrA_Algarni بقوله: لقد أهجت الوجدان يا دكتور بهذا السرد الأخّاذ لتفاصيل ليلة اللقاء الأخير بصوت الأرض. طلال ظاهرة إنسانية وجمالية فريدة، فلا يليق بوصف مشهد وداعه إلا أن يُكتب بمثل هذا الأسلوب الأدبي الفاخر.
إلى ذلك، كتبت أشواق @ashwaq0350 : الوصف وسرد المعلومات كأني حضرت الحفله رحمة الله عليه.
كذلك كتب تركي الزويد @Turke5550 : ظاهرة الفنّ والانسانية، طلال مداح.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق