![]() |
محمود مصطفى الحاج أحمد |
محمود مصطفى الحاج أحمد *
(مسابقة طرق تطوير التعليم العالي لتتناسب المخرجات مع سوق العمل)
«الخبرة ضرورية لثلاث سنوات على الأقل».
لعله الشرط الأكثر رُعباً وشُهرة في إعلانات العمل، لكنه ليس المُربك الوحيد للسِيَر الذاتية الخجولة المُقدمة، من قبل الخريجين الجدد، إلى مكتب الموارد البشرية، حيث الجبل المُكدس من الطلبات، والبحث جارٍ عن سيرة فاتنة! ويبقى السؤال، ما قبل التخرج، وما بعد دخول الحياة المهنية من بابها المُغري، كيف لمخرجات التعليم العالي أن تتناسب مع سوق العمل، وما الحِيَل؟
أطلقوا قُبعات التخرج في السماء، نحو طموحهم العالي، الذي سريعاً ما تَبَخَّر، في ظل افتقارهم لدرعٍ وسَيف، هما تباعاً، الخبرة، والفرصة، فسوق العمل مُمَثلاً بالشركات والمؤسسات وغيرهما، لا يملك وقتاً يهدره في سبيل خِريجٍ يصعد العتبة المهنية الأولى، فالسوق يحتاج رافعةً بشريةً في سُلَّم التنافس والربح، لا العكس. وتأتي الإجابة عبر سياستين متكاملتين، تَطعيم التعليم العالي بسوق العمل، ورهن سوق العمل بالتعليم العالي.
الأولى تعني ثَقل الخبرة العَملية للمُكتسب، ليس وفقاً للمظهر المُعتاد عبر تفريغ حِصصٍ خجولة لذلك، بل بنقله إلى ميدان العمل نفسه، حيث يعمل هناك في مهمات تتناسب مع وقته، مستواه، وقدراته، فتولد الخبرة باكراً، ويصبح نَعتُ «الخمس نجوم» مُستَحِقاً لمخرجات التعليم العالي.
أما الثانية، فتكون ببصيرة التعليم العالي المُتأتية عن دراسةٍ ميدانية وطنية سنوية، توضح بدقة ما حاجة سوق العمل لناحية الاختصاصات والخبرات، خاصة لناحية الأعداد المطلوبة مستقبلاً، فالمُختصون، في زاوية ما، هم سلعة، يخضعون لقاعدة العرض والطلب المعروفة، كلما زادوا تدنت القيمة، وقلَّ الطلب. مع تلك البصيرة يُصنع التعليم العالي الذكي في مُخرجاته، فيُرهَنُ سوق العمل به، ويغدو كإعصار يبتلع كل خريج جديد.
إذاً، عبرهما تتحقق الخبرة والفرصة، وما بينهما تولد الثقة، وهي الأساس، ثقة أن المستقبل يتسع للجميع، وأن شموخ البذرة الصغيرة آت، جِذعاً صلباً لا ينكسر، تَذَلَّل يوماً للشمس لتمنحه النمو، والآن يُظَلِّلُ الآخرين من أشعتها الحارقة، وكذلك الخريج الجديد، البارحة احتاج، وغداً إليه يُحتاج، ولَشهادة مدرسة الحياة أبلغُ قيمة، أكثر طلباً، وأدسم خبرةً، فسوق العمل يَعتاش أيضاً على أشياء كثيرة لا تمت لذرية التعليم العالي بصلة، فما هي؟
* طالب جامعي، تخصص حقوق، لبنان
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق