الحسين أوطالب
* الحسين أوطالب
ونحن في طريقنا في اتجاه عمر التوبة النصوح كما جاء في بعض أحاديث رسول الإسلام، أو العمر الذي يبلغ فيه الإنسان أشده كما جاء في القرآن، هي فترة عمرية يشعر فيها المرء بأزمة وجودية يحلل فيها ما قدمه وما يمكن أن يؤخره في حياته.
وقبل الوصول لهذه المحطة العمرية يكون المرء قد عاش واجتاز في ماضيه العديد من المنعرجات والاختبارات الحياتية، هذه الأخيرة تسهم بشكل كبير في تحديد وإبراز معالم شخصية كل واحد منا، فهناك من يتأثر وتؤثر فيه هذه المنعرجات بشكل سلبي وتحدث تأثيرات وتغيرات غير مرغوب فيها على مستوى أفكاره ومعتقداته، ما قد يؤدي به إلى التطرف والشذوذ عما هو مألوف وطبيعي لدى بني جلدته، ومنهم من يتأثر بشكل إيجابي ويستغلها قصد الاحتكاك والتمرن على مطبات الحياة وتحدياتها، ما يمكنه من استخلاص مجموعة من الدروس والعبر التي من شأنها مساعدته على العيش بسلاسة وبناء مستقبل أفضل انطلاقاً من الحاضر وتحدياته، وبناء على تجارب الماضي ونكساته.
وتختلف النتائج المحققة باختلاف الزوايا التي ترى من خلالها وتحلل عن طريقها الأمور، كذلك وتختلف هذه النتائج باختلاف التكوين والاستعداد الجيني والبيولوجي لدى كل واحد منا، فليس لدى الجميع البنية المورفولوجية نفسها، والتكوين الفيسيولوجي نفسه، وبالتالي ليس لدى الجميع كذلك الفعل ورد الفعل نفسه الناتج عن مخرجات الأفكار وطريقة التحليل والاستنتاج، وهذا ما يحدث الفرق بين الشخصيات وكيفية تعاطيها ومواجهتها لمتطلبات وتحديات الحياة؛ ما سيؤدي لا محالة إلى اختلاف وتباين واضح وملموس في النتائج المحصل عليها.
ولعل أبرز المنعرجات العمرية التي يمر منها الإنسان خلال مختلف فترات حياته نجد فترة المراهقة نظراً لحساسيتها الشديدة، وبما أننا قد تجاوزنا هذه المرحلة بأمان إلى حد ما وبمقدار، فقد أصبحت لدينا معرفة بها وببعض خباياها وطلاسيمها، ما يجعلنا آهلين لتقديم بعض الأفكار والآراء ولم لا حتى النصائح إن كنا أهلاً لذلك، لمن يمرون ويعيشون هذه المرحلة الحرجة في حياتهم.
والمنعرج الآخر الذي لا يقل أهمية عن سابقه هو فترة ما بين الربع الأول من عمر العشرينيات وبداية الثلاثينيات، هنا يبدأ الإنسان في خطو أولى الخطوات في الاتزان النفسي، وفي هذه المرحلة تتضح الرؤى بشكل أكبر، خلالها يستطيع الإنسان الطبيعي السوي توجيه بوصلته نحو الأهداف التي يسعى إلى تحقيقها في مستقبله، ويخطو أولى خطواته في اتجاه بلورة أفكاره وتنزيلها على أرض الواقع قصد تحقيق مساعيه.. ويتميز المرء في هذه الفترة ببعض من الثبات وبداية الرشد والاتزان النفسي، ويمكن وصف من تنطبق عليه هذه الخصال بالعبارة الشعبية "شارب عقلو".
بعدها تأتي مرحلة الثلاثينيات من العمر، هذه المرحلة التي بدأت أخطو أولى خطواتي في طريقها السهل/الممتنع وبدأت ألاعب أولى منعرجاتها بشكل تارة أعده سهلاً ممتعاً ومسلياً نظراً للنضج الذي اكتسبته من خلال التجارب التي سبق وعشتها، وتارة أخرى أصطدم بحقائق وتحديات كنت فقط أسمع عنها في المراحل العمرية السالف ذكرها، وبعض هذه الحقائق تخلق تصدعاً وارتجاجاً فكرياً لدى متلقيها، ورغم التخلص منها ومن تبعاتها، إلا أنها تترك شرخاً وأثراً عميقاً في دواخل نفسية المرء وتؤثر على طبيعته وشخصيته.
كما يتميز المرء في هذه المرحلة بنوع من التخلص والتخلي عن مجموعة من المعتقدات والمبادئ التي ورثها خلال مرحلتي الطفولة والمراهقة وبدايات الشباب، والتي كان يعدها إلى وقت قريب من المسلمات التي لا يمكن تخيل العيش بدونها، ويبدأ دماغه في صياغة وتنزيل أفكار ومبادئ ومعتقدات أخرى أكثر نضجاً تساير التطور الفكري والنفسي والعقائدي الذي يتميز به الثلاثينيون، كل حسب تاريخه وأرشيفه وكينونة المراحل الماضية من حياته، وما ورثه حمضه النووي وما يحمله من جينات أسلافه، وكل كذلك حسب ميدان اشتغاله واجتهاده وميولاته.
كما أنه في هذه الفترة من العمر، خصوصاً لدى الآباء والأمهات منهم، فأغلبهم هنا يستوعب ويفهم المغزى العميق للمقولة الشعبية الدارجة التي تقول "الله يسمح لينا من الوالدين".
هذه المقولة بالنسبة للأبرار منهم تعد بمثابة أسمى عبارات العرفان والتقدير للتضحيات التي يقدمها الوالدان للأبناء، والتي عرفوها وأحسوا بها بعدما أصبحوا بدورهم آباء وأمهات وحملوا ثقل مسؤولية تربية وتعليم وتكوين فلذات أكبادهم.
كما يمكن تسمية هذه الفترة بمرحلة تحقيق الذات وتثبيث الأقدام على الطريق والأهداف التي خُطِّط لها سابقاً.
فخلالها يكون الإنسان قد قام بتنزيل أغلب المشاريع والأهداف التي سُطِّرت وخُطِّط لها مسبقاً، سواء كانت هذه المشاريع شخصية، عاطفية، اجتماعية أو مهنية، فكيفما كان نوع هذا المشروع يكون الإنسان قد ثبت أقدامه عليه، وفي أسوأ الأحوال يكون قد وضع حجره الأساس وبدأ في تنزيله على أرض الواقع، وإن لم يكن الأمر كذلك فسيصعب تحصيله وتداركه في مستقبل مراحل العمر.
ويلجأ الإنسان السوي في هذا العمر إلى التخلي عن جل الأمور والمواضيع التي تنهك طاقاته، ويركز ويوفر كل مجهوداته لغرض تحقيق ضروريات العيش الهنيء والكريم، من أجل أن ينعم بحياة هادئة مطمئنة، بعيداً عن صخب وضجيج الأفكار والمعتقدات وكذا التصرفات والنقاشات التي شغلت باله وأنهكت قواه الذهنية والفكرية وكذلك النفسية دون أن يجني من ورائها أي فائدة تذكر.
عمر الثلاثينيات هو نهاية مرحلة الشباب اليافع، وبداية مرحلة الشباب الراشد الذي اكتمل نضوجه، مرحلة "الختورية" كما تقول العبارة الشعبية الدارجة.
وفي هذا العمر بالذات ستدرك المعنى الحقيقي لمقولة "يا ليت الشباب يعود يوماً"، لأنك ومهما فعلت واستمتعت بالوقت الذي أمضيته في فترة طفولتك ومراهقتك وبدايات شبابك اليافع، فإنك حتماً ستشعر أنك لم تغتنم ولم تستفد من كل الوقت الذي وفرته لك هذه الفترات العمرية، وستندم على أمور كثيرة تمنيت لو أنك تجرأت على القيام بها، وأمور أخرى ستتمنى لو أنك لم تجرؤ على فعلها.
كما ستدرك تمام الإدراك أن تأثير بعض الأخطاء البسيطة في الحياة قد يستمر معك لما تبقى من عمرك، ستدرك وستدرك، ثم ستدرك.. وبعد كل هذا الإدراك ستعلم أن أوان تحقيق بعض ما كنت تمني به نفسك قد فات، وأنه قد آن الأوان للاستفادة من تجارب الماضي لاتخاذ قرارات أخرى أكثر نضجاً وعقلانية كي لا تسبب لنفسك متاعب أخرى تصاحبك وترافقك في ما تبقى من حياتك.
كما أنه إن لم تحسن التعامل مع جسمك وتعتني به عن طريق اتباع عادات وممارسات صحية، فستلاحظ أن بعض أعضاء جسدك الأساسية والحيوية قد بدأت تصدر إنذارات وشكاوى، معلنة عن تراجع قواها وعدم قدرتها على مواكبة بعض الأنشطة التي ألفت واعتدت القيام بها ذات وقت بسهولة بالغة، حينها ستعلم أن قدراتك البدنية قد خارت وقدرة تحملك لم تعد كما كانت وكما ألفتها، وستظهر لديك بعض الأمراض التي كنت فقط تسمع عنها، ولم تتخيل ولو للحظة أنك قد تصاب بها، وفجأة ستصبح من ضحاياها ومدمناً على تعاطي الأدوية المهدئة لأعراضها والمسكنة لأوجاعها، وقبل أن تصل إلى هذه المرحلة حيث لا ينفع الندم كما لا يؤثر الكلام في الصنم، ولكي تتفادى وتخفف شدة ما قد تعانيه مستقبلاً من ألم، لذلك فأي فرصة سنحت لك، استشر واغتنم، ولما يبدو لك في ظاهره عقبات لا تستسلم، فباطنه مجرد اختبار بسيط هين، تتدرب وتتسلى به وتنمي في تخطيه قدراتك وتعزز تدفق هرمونات النشوة، وتحرك ميكانيزمات التحدي والمغامرة استعداداً لما ستواجهه من امتحانات في مستقبل مراحل الحياة.
كما أنه إن لم تحسن التعامل مع جسمك وتعتني به عن طريق اتباع عادات وممارسات صحية، فستلاحظ أن بعض أعضاء جسدك الأساسية والحيوية قد بدأت تصدر إنذارات وشكاوى، معلنة عن تراجع قواها وعدم قدرتها على مواكبة بعض الأنشطة التي ألفت واعتدت القيام بها ذات وقت بسهولة بالغة، حينها ستعلم أن قدراتك البدنية قد خارت وقدرة تحملك لم تعد كما كانت وكما ألفتها، وستظهر لديك بعض الأمراض التي كنت فقط تسمع عنها، ولم تتخيل ولو للحظة أنك قد تصاب بها، وفجأة ستصبح من ضحاياها ومدمناً على تعاطي الأدوية المهدئة لأعراضها والمسكنة لأوجاعها، وقبل أن تصل إلى هذه المرحلة حيث لا ينفع الندم كما لا يؤثر الكلام في الصنم، ولكي تتفادى وتخفف شدة ما قد تعانيه مستقبلاً من ألم، لذلك فأي فرصة سنحت لك، استشر واغتنم، ولما يبدو لك في ظاهره عقبات لا تستسلم، فباطنه مجرد اختبار بسيط هين، تتدرب وتتسلى به وتنمي في تخطيه قدراتك وتعزز تدفق هرمونات النشوة، وتحرك ميكانيزمات التحدي والمغامرة استعداداً لما ستواجهه من امتحانات في مستقبل مراحل الحياة.
*مجاز في القانون الخاص ومدون على بعض المواقع الإلكترونية
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق