كريم صبحي علي: الاعتذار ثقافة راقية يملكها الأقوياء فقط - باث أرابيا patharabia

Last posts أحدث المواد


3/14/2023

كريم صبحي علي: الاعتذار ثقافة راقية يملكها الأقوياء فقط

مشاهدة
كريم صبحي علي

كريم صبحي علي *

لقد جُبل الإنسان مُنذ بِدء الخليقة على فِعل الصواب وأيضاً على فِعل الخطأ، وهذا بالتأكيد لأننا جميعاً بشر، ودائماً ما نُخطئ ونُصيب.. وما قد أنظُر له أنا على أنه صواب فقد ينظُر له غيري على أنه خطأ، بالرغم من أنه قد يكون نفس الشيء أو نفس الموضوع أو حتى قد تكون هي نفس الفكرة الواحدة التي نتفق عليها جميعاً، ولكن لكلً منا وجهة نظره المُختلفة التي تميزه عن الشخص الآخر، والتي دائماً ما يُقَيم كل شخص بها الأمور من نظرته الخاصة.. فهكذا خُلقنا نحن البشر دائماً ما نكون مُختلفين في وجهات النظر، وهذه بالتأكيد هي حكمة الله عز وجل في خلقه، والذي جعل سبحانه وتعالى الاختلاف في ما بيننا هو سُنة البناء في الكون مُنذ أن خلق الله الأرض ومن عليها .

ولكننا وللأسف الشديد أصبحنا اليوم نفتقر ونفتقد لثقافة مُهمة جداً في ما بيننا، وأصبحت هذه الثقافة غائبة عن مُجتمعاتنا العربية بشكل كبير وملحوظ.. وهذه الثقافة التي أتحدث عنها هي ثقافة الاعتذار، والتي تتمحور بشكل أساسي حول كلمة (أنا آسف) فمن منا مثلاً أصبح الآن يسمع كلمة (أنا أسف) في المُجتمع الذي نعيش فيه سواءً كان في العمل أو في المدرسة أو في الجامعة أو في الشارع أو حتى في المنزل من أقرب الأقربين؟

صدقني وبدون أي تفكير، فلن تجد أي شخص اليوم يستعمل هذه الكلمة، والتي أصبحت غائبة عن قاموسنا تماماً كعرب.. مهما كان الخطأ الذي ارتكبه أحدنا في حق الآخرين، وكأن كلمة (أنا آسف) هي للضعفاء فقط، فيتصور في ذِهن البعض أن هذه الكلمة هي انتقاص من شخصية الفرد في أعيُن الآخرين، فأصبحنا وللأسف الشديد نُفضل أن نُصاب بالكِبر والتكبر، ونتعالى ونتمادى في الخطأ على أن نعتذر لمن أخطأنا في حقهم خشية أن نصير ضعفاء.. وهذا بالتأكيد تفكير خاطئ تماماً، ويجب تغييره تغييراً جذرياً، وكطبيعة البشر، فنحن جميعاً نُخطئ في أوقات كثيرة في حق بعضنا البعض، ولكن هل نحن حقاً نمتلك الشجاعة الكافية لكي نذهب ونعتذر لذلك الشخص الذي أخطأنا في حقه.. للأسف الشديد وأقولُها وبملء فمي بأن الكثير منا لا يمتلك شجاعة الاعتذار للآخرين، وهذا لأن الاعتذار هو ثقافة راقية جداً لا يملكها إلا الأقوياء فقط من أصحاب العقول المُستنيرة والنفوس السوية والضمائر الحية والذين يعترفون دائماً بأخطائهم من دون أي تكبُر أو تعالٍ على الآخرين، وهذا لأنهم يعرفون بما لا يدع مجالاً للشك بأن الاعتذار والاعتراف بالخطأ هو بداية الحل لأي مُشكلة أو خلاف موجود بين البشر وبعضهم البعض.

ولذلك أنصحكم وأنصح نفسي دائماً بتنمية ثقافة الاعتذار في ما بيننا، والاعتراف بالخطأ مهما كان حجمه.. فنحن جميعاً بشر، وجميعُنا نخطئ، ولكن الأقوى فينا فقط هو من يمتلك ثقافة الاعتذار للآخرين، ولذلك يجب تربية النشء دائماً على استخدام كلمة (أنا آسف)، وهذا إذا أردنا حقاً إخراج أجيال جديدة مُتسامحة راقية الفكر ودائمة التفكير في مشاعر الآخرين.. وصدقوني فلن تستقيم أحوالنا أبداً أو تقوم لنا قائمة كمُجتمع عربي إلا إذا اعتمدنا كلمة (أنا آسف) في كل جوانب حياتنا اليومية، لأن الإعتذار عن الأخطاء هو فعلاً للأقوياء فقط.

* دبلوم فندقي، مهتم بالكتابة، مصر

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق