قصة قصيرة: عمي رجب - باث أرابيا patharabia

Last posts أحدث المواد


3/17/2023

قصة قصيرة: عمي رجب

مشاهدة
أحمد حمزة

أحمد حمزة *

تأتي عربة التوزيع فجراً ويُنزل منها الصحف والمجلات، بكل إصداراتها. وكان مكسبها بمثابة دخل يومي ثابت لي، إن نقص كان نقصاً لا يُذكر أو زاد كذلك.

كنت طوال اليوم أفتح تلك الصحف أتسلى بقراءتها ومشاهدة صور المشاهير والفنانين في صفحاتها.

أضع على فرشتي سلعاً جانبية كثيرة بجانبها، من علكة، وبسكويت، ومناديل ورقية، وهكذا.. لكن الرقم واحد هي الصحف والمجلات. حتى لقبي كان (عم رجب بتاع الجرايد).

وذات مرة طرأت في رأسي فكرة الكتب، كتوسع للمجال المُربح. كتب من الإصدارات  نفسها، الصحف لا شيء آخر، وأبلغت الموزعين بتنزيل بعض الكتب كتجربة لكن الموضوع لم يجدِ؛ فالكتب هذه (رجالها تقيلة) تُباع لكن ببطء، فانتهيت قبل التوسع في الفكرة. وظلت الصحف وبيعها شغلي ومصدر رزقي الأساسي وثقافتي أيضاً؛ تعرفت منها على مصطلحات المثقفين ومعانيها، وعواصم الدول، والمشكلات الإقليمية والعالمية، ومواعيد الأحداث المهمة، وأخبار الكون من حولي إجمالاً.

ومع ظهور شبكة الإنترنت وما تحتويه من معلومات شتى بضغطة زر، بدأتُ في القلق؛ المرتجعات في زيادة، وما يُباع في نقصان. لكن أحد زبائني من الطلبة، على ما أظن، 
أكد أن ظهور الإنترنت والبوابات الإلكترونية للصحف لا يُغني عن طبع الصحف ورقياً؛ فالغرب يُحصي عدد الكيلوجرامات للفرد الواحد من الصحف، والتي هي في تزايد أو حتى ثابتة، رغم عدم وجود زيادة في عدد السكان! وأكد فكرته بمثال التلفزيون والإذاعة، فظهور التلفاز لم يُلغِ الإذاعة، بل على العكس، ازدهرت الإذاعة أو المحتوى المسموع (البودكاست) بيننا اليوم.

كلامه كان منظماً ولبقاً، أحببت أن أصدقه، وأُطمئن نفسي على مهنتي التي لا أعرف غيرها! توالت الأيام سريعاً، ووضعت السجائر كسلعة للبيع بجانب الصحف؛ فدخلي اليوم قد خُسف بالأرض!

وتيقنت من تبدل الحال عندما بدأت أُسلي يومي في شرب السجائر بدلاً من فتح الصحف ومشاهدة الصور!

شيئاً فشيئاً حتى طلبت من الموزع تنزيل عدد صحف قطاعي لزبائن معروفين يأتون كل يوم لشرائها.

وأكثرت من وضع السجائر على فرشتي، منوعاً بين المصري والصيني والمستورد.

وباتت ثقافتي هي أنواع السجائر وأيها أفضل، وأيها (مكتومة) وأيها (حامية)، وما الذي يُباع "فرت"، وغيره وغيره!

حتى زبائني تبدلوا، من قُراء ذوي صوت خفيض إلى سائقين وعمال تحسبهم يتشاجرون معي وهم يبتاعون السجائر، وتغير لقبي إلى (عم رجب بتاع السجاير)!

تعرف! اليوم نزّل لي موزع السجائر (دفتر بفرا) لا أعلم إن كان بالخطأ أم لا! لكني توقفت كثيراً عنده قبل نومي، هل أُعيده إليه غداً وأُوبخه، أم أُعيده فقط؟ أم أُبقيه على الفرشة مستتراً؟

* طالب جامعي في كلية الألسن، مهتم بالكتابة والتدوين، مصر

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق