رؤى من استطلاع "باث أرابيا" عن تعزيز ثقافة القراءة عبر الخطاب المقنع - باث أرابيا patharabia

Last posts أحدث المواد


3/19/2023

رؤى من استطلاع "باث أرابيا" عن تعزيز ثقافة القراءة عبر الخطاب المقنع

مشاهدة


مصر: رامز الشيشي

في العديد من المجتمعات في جميع أنحاء العالم، تسببت القضية المستمرة المتمثلة في انخفاض الطلب على القراءة في حالة كبرى من الهلع والقلق. وفي الوطن العربي بشكلٍ خاص، تكشف التقارير أن المواطن العربي العادي يقضي ست دقائق فقط في القراءة سنوياً، بينما في المجتمعات الغربية، متوسط وقت القراءة هو ست ساعات في الأسبوع؛ الأمر الذي يكشف عن واقع التعليم في تلك المنطقة من العالم.

 وبالتأكيد هناك عوامل متعددة تساهم بشكلٍ بارز في تعميق مثل تلك المعضلة، ويقدم استطلاع "باث أرابيا" لشهر نوفمبر/تشرين الثاني من العام 2022 رؤى قيمة حول الأسباب الرئيسة وراء انخفاض الطلب على القراءة في الوطن العربي. ولمعالجة هذه القضية من انخفاض الطلب على القراءة، تستخدم هذه الدراسة الخطاب المقنع؛ لدراسة نتائج استطلاع "باث أرابيا" لتحديد العوامل الأساسية التي تساهم في هذه المعضلة. فمن خلال هذا التحليل، يمكننا استكشاف كيف يمكن للخطاب المقنع أن يشكل المواقف والسلوكيات ويعزز القراءة في وطننا العربي.

تحليل نتائج الاستطلاع

قدم الاستطلاع خمسة أسباب محتملة لانخفاض الطلب على القراءة، وطلب من المستجيبين اختيار العامل الأكثر أهمية الذي اعتقدوا أنه يمثل واقعهم، وأظهرت النتائج أن انتشار وسائل التواصل الاجتماعي والمواقع الإلكترونية حُدِّد باعتباره العامل الأكثر أهمية، حيث حصل على 64.8% من بين 3664 من إجمالي الأصوات الصحيحة، وأعقب ذلك عدم وجود قدوة للقراءة في البيئة الأسرية التي حصلت على 17.7% من الأصوات. أما العوامل الأخرى، مثل ارتفاع أسعار الكتب بنسبة 9.7%، ونقص المحتوى العربي الجيد بنسبة 4.5%، وضعف جاذبية العناوين المعروضة بنسبة 3.3%، فقد حصلت على عدد أقل من الأصوات. 

فتشير النسبة العالية من الأصوات لانتشار وسائل التواصل الاجتماعي والمواقع الإلكترونية إلى أن الإعلام الرقمي أصبح قوة مهيمنة في تشكيل عادات القراءة وإدراكهم في الوطن العربي. وأدى سهولة الوصول إلى المعلومات والترفيه التي توفرها وسائل التواصل الاجتماعي والمواقع الإلكترونية إلى انخفاض الطلب على وسائل الإعلام المطبوعة التقليدية مثل الكتب. وحُدِّد عدم وجود قدوة للقراءة في البيئة الأسرية باعتباره ثاني أهم عامل يساهم في انخفاض الطلب على القراءة. هذا يسلط الضوء على أهمية التأثير الاجتماعي والنمذجة في تشكيل السلوك الفردي، وهو مؤشر جد خطير ويدفع إلى تحليل وإجراء بحوث أكثر في السياق الأسري ذاته؛ فقد يؤدي عدم وجود قدوة للقراءة في البيئة الأسرية إلى مواقف وتصورات سلبية تجاه القراءة؛ ما قد يثني الأفراد عن تطوير عادة القراءة، بل أكثر من ذلك قد يسوء ويصل الأمر إلى أكثر من ذلك.

 ويشير انخفاض عدد الأصوات في أسعار الكتب المرتفعة، وعدم وجود محتوى عربي عالي الجودة، وضعف جاذبية العناوين المعروضة إلى أن هذه العوامل أقل أهمية في المساهمة في انخفاض الطلب على القراءة. ومع ذلك، لا يمكن تجاهل هذه العوامل تماماً، حيث قد لا يزال لها تأثير على عادات القراءة لبعض الأفراد. وهكذا تظهر نتائج الاستطلاع الحاجة إلى نهج شامل لتعزيز القراءة في العالم العربي. يجب أن يعالج هذا النهج العوامل المتعددة التي تساهم في انخفاض الطلب، بما في ذلك تأثير الوسائط الرقمية، وأهمية النمذجة الاجتماعية، والحاجة إلى مواد قراءة عالية الجودة وجذابة بأسعار معقولة تلائم متطلبات الوضع الاقتصادي.


آليات التغلب على انخفاض القراءة وفق الخطاب المقنع

لمكافحة القضية الملحة المتمثلة في انخفاض الطلب على القراءة في الوطن العربي، من الضروري استخدام استراتيجيات الخطاب المقنع التي يمكن أن تجذب القراء المحتملين بشكل فعال، وتحثهم على الحفاظ عليها كفضيلة وعادة مهمة في حياة أي مجتمع. وتستلزم هذه الاستراتيجيات التأكيد على فوائد القراءة، وخلق نماذج جديرة بالملاحظة، ومعالجة التأثير الضار لوسائل التواصل الاجتماعي، وتحسين جودة المحتوى العربي، وجعل الكتب أكثر جدوى من الناحية الاقتصادية وفقاً لمتطلبات الظروف الاقتصادية والحالة المعيشية.

فتتضمن استراتيجية الخطاب الفعالة التركيز على الفوائد المتنوعة التي يمكن أن توفرها القراءة. من خلال تقديم القراءة كتجربة استثنائية ومحفزة فكرياً، قد يكون الأفراد أكثر تحفيزاً للانخراط فيها، حيث يمكنها تعزيز القدرات المعرفية، وتعزيز المهارات الاجتماعية، وزيادة الفهم لواقع الأمور الحياتية. هناك استراتيجية قوية أخرى تتمثل في إنشاء نماذج جديرة بالثناء يمكن أن تكون بمثابة تأثيرات إيجابية وإلهام الآخرين للقراءة عبر Tedx Talks يمكن تحقيق ذلك من خلال عرض الشخصيات البارزة من القراء المتحمسين في الحملات المستهدفة أو الترويج لأحداث القراءة ونوادي الكتب في المجتمعات المحلية.

يمكن مواجهة التأثير الضار لوسائل التواصل الاجتماعي على عادات القراءة من خلال إنشاء محتوى قراءة جذاب وتفاعلي يمكن مشاركته على هذه المنصات. ويشمل ذلك نشر مراجعات الكتب ومقابلات المؤلفين وتسهيل المناقشات حول الأحداث والقضايا المعاصرة في مجالس علمية واقعية كانت أو افتراضية.

فلمعالجة قضية المحتوى العربي غير الكافي، من الضروري تحفيز الناشرين والمؤلفين على إنتاج مواد قراءة عالية الجودة وجذابة تلبي احتياجات جمهور واسع. يمكن تحقيق ذلك من خلال الإعانات الحكومية أو المنح أو غيرها من الحوافز التي تحفز إنشاء محتوى عربي ثري من الدرجة الأولى.

يمكن أن تشكل أسعار الكتب الباهظة عقبة كبيرة أمام القراءة، خاصة بالنسبة لمن هم من خلفيات منخفضة الدخل. يمكن أن تساعد تدابير مثل الخصومات أو إعارة الكتب أو الكتب الإلكترونية في جعل الكتب أكثر سهولة وبأسعار معقولة لجمهور أوسع. من خلال استخدام استراتيجيات الخطاب المقنع هذه، من الممكن معالجة العوامل المختلفة التي تساهم في انخفاض الطلب على القراءة في العالم العربي وزراعة ثقافة القراءة والمشاركة الفكرية.

إن استراتيجيات الخطاب المقنع هي أدوات أساسية لأولئك الذين يسعون للتأثير على معتقدات الآخرين ومواقفهم وسلوكياتهم. وتستند هذه الاستراتيجيات إلى أطر نظرية مختلفة يمكن أن توجه إنشاء رسائل مقنعة. مفتاح النجاح يكمن في تحقيق التوازن بين النهج المختلفة.

فتسلط نظرية الهوية الاجتماعية الضوء على أهمية استهداف مفهوم الذات لدى الناس، والذي يعتمد إلى حد كبير على انتمائهم إلى مجموعات اجتماعية معينة. يمكن أن تكون الرسائل المقنعة التي تروق للهويات الاجتماعية للأشخاص وعضويات المجموعات فعالة بشكل خاص. على سبيل المثال، في سياق انخفاض معدلات الإلمام بالقراءة والكتابة، قد تنجح الرسائل التي تؤكد على أهمية القراءة للهوية الوطنية والتراث الثقافي.

تشير نظرية السلوك المخطط إلى أن سلوكيات الناس تتأثر بمواقفهم ومعاييرهم الذاتية والتحكم السلوكي المتصور. لتشجيع الناس على قراءة المزيد، يجب أن تعالج الرسائل المقنعة هذه العوامل الثلاثة. يمكن تحقيق ذلك من خلال تعزيز المواقف الإيجابية تجاه القراءة، وإبراز الأعراف الاجتماعية للقراءة في العالم العربي، وتقديم النصائح والموارد العملية لتعزيز مهارات القراءة. فالقراءة هي نشاطٌ متعدد الأبعاد يحمل أهمية هائلة في تقدم كل من الأفراد والمجتمعات. إنه نشاط لابد منه بحكم أنه يمارس تأثيراً بعيد المدى على جوانب متنوعة من وجودنا، بما في ذلك الإنجازات الأكاديمية والتطوير المهني والنمو الشخصي والعافية النفسية.

 مزايا القراءة متعددة الاستخدامات ومتنوعة، تمتد من زيادة حصيلة المترادفات اللغوية والذكاء الاجتماعي، وتعزيز التعاطف، إلى صقل مهارات التفكير النقدي. يمكن لمهارات القراءة غير الكافية أن تعيق فهم المفاهيم المعقدة، والقدرة على التواصل بشكل فعال، والقدرة على اتخاذ قرارات مستنيرة؛ ما يؤدي إلى تداعيات كبيرة. وفي المنطقة العربية، يمكن أن يؤدي غياب مهارات القراءة الماهرة إلى مشاكل عميقة الجذور. تعاني المنطقة حالياً من ارتفاع معدل انتشار الأمية، في الغالب بين النساء، مما يتسبب في تداعيات واسعة النطاق على تقدمها الاقتصادي والمجتمعي والسياسي. تساهم الأمية في إدامة الفقر، وتقييد فرص العمل، والحد من التمثيل السياسي نتاج غياب الثقافة السياسية كعامل مرتبط بالقراءة والثقافة العامة، وعرقلة الوصول إلى فوائد التقدم التكنولوجي والمشاركة في الاقتصاد العالمي.




وختاماً، يمكن أن تكون استراتيجيات الخطاب المقنع، المستنيرة بالأطر النظرية، أدوات قوية لتعزيز التغييرات الإيجابية في معتقدات الناس ومواقفهم وسلوكياتهم. من خلال صياغة الرسائل التي تروق لمشاعر الناس وقيمهم وهوياتهم، يمكن للحكومات تشجيع المزيد من محو الأمية وتعزيز مجتمع أكثر استنارة وانخراطاً في جميع أنحاء الوطن العربي.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق