![]() |
د. ميمون مسلك |
طرطوس، سوريا: حسام الساحلي
سلسلة القصة القصيرة جدّاً في الممارسة العربية مستمرة بإشراف الدكتور زهير سعود وينضم إلى حلقتها الرابعة الدكتور ميمون مسلك أستـاذ البلاغة والنقد، الأمين الـعـام لرابطة المتأدبين الشّبـاب بالمغرب سابقاً، وأحد الأربعة المؤسسين لمجلـة المشكـاة التي تعنى بالأدب، ومنتج إذاعي لبرامج ثقافية وأدبية عدة في أكادير.
الدكتور ميمون مسلك يخرج عن صمته ويرد بإجابات قد تسهم في تصنيف وتقويم مسار القصص القصيرة جداً المنتشرة بغزارة على صفحات التواصل الاجتماعي؛ إذ إن بعضها منفلت من الضوابط والشروط.
* كيف تعرّف باختصار فن القصّة القصيرة جداً؟
* كيف تعرّف باختصار فن القصّة القصيرة جداً؟
ــ القصة القصيرة جداً فنّ سرديّ حديث، هو عبارة عن قصّة، تعتمد الحكي أساساً، وتقدمه بصورة موجزة، وبلغة مكثفة إيحائية، تنتهي بخرجة، تنفتح على مجال التّأمّل والتّأويل. وقد تتقاطع (ق ق ج) دون تماهٍ والأجناس السّردية الأخرى في بعض الخصائص. ولكنّها تنفرد بلغتها، ونسقها، وحجمها.
* كيف تنظر للخصائص التي تميّز القصّة القصيرة جداً عن القصّة بأنواعها: (الرواية، القصيرة)؟
ــ كلّما طرح هذا السّؤال كان الجواب مركزاً على الحجم. وأرى أنّ الحجم خاصية من جملة خصائص أخرى، في مجموعها تكون ما نسميه قصّة قصيرة جداً. ولكن التّميّز حاصل ولا شك، وإلا كان الأمر مجرد تكرار مع اختلاف الاسم ليس إلا. قد تكون الفكرة هنا وهناك واحدة. "الوفاء" مثلاً. ولكن الفكرة نفسها في نسقية الرّوائي تختلف عن نسقية القاص في القصة القصيرة، وهي أشد اختلافاً في القصّة القصيرة جداً. والنّسقية المقصودة تعتمد الإيجاز، بصورة مقصودة حتّى يصبح النّص في بضعة أسطر، إن لم أقل بضع كلمات.
* كيف تنظر للخصائص التي تميّز القصّة القصيرة جداً عن القصّة بأنواعها: (الرواية، القصيرة)؟
ــ كلّما طرح هذا السّؤال كان الجواب مركزاً على الحجم. وأرى أنّ الحجم خاصية من جملة خصائص أخرى، في مجموعها تكون ما نسميه قصّة قصيرة جداً. ولكن التّميّز حاصل ولا شك، وإلا كان الأمر مجرد تكرار مع اختلاف الاسم ليس إلا. قد تكون الفكرة هنا وهناك واحدة. "الوفاء" مثلاً. ولكن الفكرة نفسها في نسقية الرّوائي تختلف عن نسقية القاص في القصة القصيرة، وهي أشد اختلافاً في القصّة القصيرة جداً. والنّسقية المقصودة تعتمد الإيجاز، بصورة مقصودة حتّى يصبح النّص في بضعة أسطر، إن لم أقل بضع كلمات.
ولتحقيق هذا بشكل فنّي، قصصي، بليغ، وممتع. هناك عناصر تكوينية، تضمن الأسلبة، والبنية.. ينبغي توفرها في القاص. حقاً كثير جداً من هذه المكونات، هي عناصر مشتركة في بقية الأجناس والأنواع السّردية الأخرى ولا غروَ في ذلك، ولكن الفرق بينها أن لكلّ جنس أو نوع نسقيته التّركيبية (synthétique) التي تحتكم إلى سعة حجمه. و من هنا ينبغي لكاتب القصة القصيرة جداً، أن ينصرف كلياً عن التّفكير في الرّواية، والقصّة القصيرة.. لأنّه بصددِ نسقٍ سرديّ مُختلف.
* لوحظ خلاف بالرأي حول محددات الفن وما يمكننا نعته بالأركان، فكيف ترون تلك العناصر البنائية على أهميتها؟
ــ الخلاف ظاهرة صحية وطبيعية، إذ لا يُمكن أن ينتعش الإبداع في ظلّ التّوافق التّام، وعدم الاختلاف. إنّما تبقى دائماً أشياء قليلة تشكّل أساسيات وأركان البناء، بدونها سينهار كلُّ شيء، وهذه غالباً ما يكون حولها إجماع: فلا ناقد يجادل في مسألة الحجم، والاحتكام إلى كلمة (جداً) بمعنى كلّ ما هو دون حجم القصّة القصيرة ولا يشاكلها بنية، ولغة، وتركيباً.. ولا أحدَ يطالبُ بعدم التّكثيف اللّغوي أو إلغاء الإدهاش، أو عدم خرق توقع القارئ.. وتبقى هناك عناصر تكوينية تحفل بها القصّة القصيرة جداً، ومن ذلك: الجملة الفعلية، التّراكب، التّتابع، التّسريع، الانزياح، الاستهلال، الحبكة، العقدة، النهاية، الوصف المقتضب، الشّعرية، ضروب البلاغة، المفارقة، التناص، الفانتاستيك، التبئير، الاتساق، الانسجام.. وما إلى ذلك، والخلاف النّقدي ليس في توظيف هذه المكونات، إنّما في سوء توظيفها.
* هناك من يرى أن القصة القصيرة جداً هي القصّة الومضة، وبعض النقاد يرون أنهما جنسان أدبيان متمايزان، فكيف تنظرون لدلالة التعبيرين؟ وكيف تفندون موقفكم؟
- أعتقد أننا لسنا في حاجة لكثرة الأسماء والمسميات والمصطلحات لأشياء قد تبدو لنا مستحدثة وجديدة.. وهي في النصوص القديمة جداً شعراً ونثراً. ما معنى الومض في السّياق النّقدي، أليس ذاك التصوير الفنّي العميق الخاطف، الذي يغنينا عن الطول والإسهاب؟ وهل الرّواية ينقص معظم فقراتها ومض بهذا الفهم؟ وهل فقرات من القصة القصيرة تخلو من ومض؟ بل هل الشّعر وهو جنس آخر مختلف عن السّرد يخلو من الومض؟ بل ماذا أقول.. هل بعض المشاهد من مسرحية ما، أو فيلم سينمائي ما يخلو من الومض؟ دعك من كلّ هذا.. هل الفن التّشكيلي يخلو من الومض؟ كلّ الفنون، وبدون استثناء، هي فنّية بومضها الفنّي.
* لوحظ خلاف بالرأي حول محددات الفن وما يمكننا نعته بالأركان، فكيف ترون تلك العناصر البنائية على أهميتها؟
ــ الخلاف ظاهرة صحية وطبيعية، إذ لا يُمكن أن ينتعش الإبداع في ظلّ التّوافق التّام، وعدم الاختلاف. إنّما تبقى دائماً أشياء قليلة تشكّل أساسيات وأركان البناء، بدونها سينهار كلُّ شيء، وهذه غالباً ما يكون حولها إجماع: فلا ناقد يجادل في مسألة الحجم، والاحتكام إلى كلمة (جداً) بمعنى كلّ ما هو دون حجم القصّة القصيرة ولا يشاكلها بنية، ولغة، وتركيباً.. ولا أحدَ يطالبُ بعدم التّكثيف اللّغوي أو إلغاء الإدهاش، أو عدم خرق توقع القارئ.. وتبقى هناك عناصر تكوينية تحفل بها القصّة القصيرة جداً، ومن ذلك: الجملة الفعلية، التّراكب، التّتابع، التّسريع، الانزياح، الاستهلال، الحبكة، العقدة، النهاية، الوصف المقتضب، الشّعرية، ضروب البلاغة، المفارقة، التناص، الفانتاستيك، التبئير، الاتساق، الانسجام.. وما إلى ذلك، والخلاف النّقدي ليس في توظيف هذه المكونات، إنّما في سوء توظيفها.
* هناك من يرى أن القصة القصيرة جداً هي القصّة الومضة، وبعض النقاد يرون أنهما جنسان أدبيان متمايزان، فكيف تنظرون لدلالة التعبيرين؟ وكيف تفندون موقفكم؟
- أعتقد أننا لسنا في حاجة لكثرة الأسماء والمسميات والمصطلحات لأشياء قد تبدو لنا مستحدثة وجديدة.. وهي في النصوص القديمة جداً شعراً ونثراً. ما معنى الومض في السّياق النّقدي، أليس ذاك التصوير الفنّي العميق الخاطف، الذي يغنينا عن الطول والإسهاب؟ وهل الرّواية ينقص معظم فقراتها ومض بهذا الفهم؟ وهل فقرات من القصة القصيرة تخلو من ومض؟ بل هل الشّعر وهو جنس آخر مختلف عن السّرد يخلو من الومض؟ بل ماذا أقول.. هل بعض المشاهد من مسرحية ما، أو فيلم سينمائي ما يخلو من الومض؟ دعك من كلّ هذا.. هل الفن التّشكيلي يخلو من الومض؟ كلّ الفنون، وبدون استثناء، هي فنّية بومضها الفنّي.
فلماذا نأخذ جملة ما، أو جملتين ونطلق عليها (القصّة الومضة)؟ والأدهى والأمر لا هي قصّة، ولا تتوافر فيها عناصر القص! وفوق هذا تسلب كلّ الفنون خاصية مشتركة، وتتصف بها وكأنّها خاصيتها المميزة. وهكذا نكذب على أنفسنا قبل غيرنا، فنخلق جنساً جديداً وهمياً من لا شيء. أمّا الذين يعدون القصّة القصيرة جداً هي القصة الومضة. فهم لم يأتوا بجديد فالقصّة القصيرة جداً منذ أنشئت، أنشئت على أساس حجمها القصير، ودلالتها المبرقة الوامضة، التي لا تقبل إسهاباً ولا إطناباً، وبالتّالي أصحاب (القصة الومضة) أضافوا مسمى/مرادفاً جديداً. وكأنّ خمساً وعشرين اسماً للقصّة القصيرة جداً في العالم لم يكفِ!
ــ يتفق النقاد على قيمة الكثافة في النص القصصي القصير جداً، ومن الواضح أن هناك فروقات في تحديد مفهوم التكثيف للقصّة، فما مفهومكم لهذا الركن البنائي؟
ــ التّكثيف: معنوي ولغوي. النص الذي ينتهي بانتهاء قراءته نص يعاني التّسطيح المعنوي، وهو أشبه بالرسالة العادية، والمقالة الإخبارية، على عكس القصة التي تبدأ من نهايتها، وكأنّ كلّ ما كُتب قبل الخرجة إنّما هو تمهيد وتوطئة لما سيدور في خلد القارئ، وهذا دليل على أنّ المعنى كثيف، عميق، ويفترضُ تدبّراً، وتأمّلاً، ولربّما نقاشاً لما يفترضه من تعدّد دلالي (Polysémie) ولكي يكون المعنى هكذا، فلا شك أنّه وليد لغة مكثفة أيضاً، لأنّ النتيجة من جنس العمل. وكثافة اللّغة لا تأتي من عدم، بل هي نفسها وليدة ضروب بلاغية، من مجاز، واستعارة، وكناية. وإضمار، وحذف، وتقديم وتأخير، شريطة ألا يكون التّكثيف غاية في حدّ ذاته، بل هو خاصية كبقية خواص هذا الفنّ المُجمل الصَّعب. وتبقى قولة فيثاغورس عمدة في ذلك: "لا تقل القليل بكلمات كثيرة، بل الكثير بكلمات قليلة".
ـ يصرّ بعضهم على اعتبار القصصية أول ركن بنائي في حين يرى الآخر الحكائية، فهل ترون فروقاً بين المصطلحين، وأيهما ترونه الأنسب؟
ــ بعضهم يجعل "القصصية" و"الحكائية" شيئاً واحداً، وفي حقيقة الأمر، (القصصية) مرتبطة دلالياً باللّغة، فنقول: لغة قصصية. تمييزاً لها عن اللّغة المباشرة، أو العادية، أو المعيارية، باعتبار أنّها لغة فنّية، وظيفية، متميّزة، أمّا الحكي أو الحكائية فهي وليدة اللّغة القصصية وما تعبر عنه، فلا حكي بالمفهوم الفنّي في غياب اللّغة القصصية، ولا قصّة في غياب أحد الركنين البنائيين: لغة القصّ والحكي. فهما معاً مصطلحان متكاملان. الفصل بينهما، كجعل طائر يحاول الطّيران بجناح واحد، وما رأينا طائراً يفعل ذلك! هذا من حيث التفصيل وإلا، الرّكن الأساس هو الحكي باعتبار لا حكي بدون لغة خاصّة هي لغة القص.
ــ يتفق النقاد على قيمة الكثافة في النص القصصي القصير جداً، ومن الواضح أن هناك فروقات في تحديد مفهوم التكثيف للقصّة، فما مفهومكم لهذا الركن البنائي؟
ــ التّكثيف: معنوي ولغوي. النص الذي ينتهي بانتهاء قراءته نص يعاني التّسطيح المعنوي، وهو أشبه بالرسالة العادية، والمقالة الإخبارية، على عكس القصة التي تبدأ من نهايتها، وكأنّ كلّ ما كُتب قبل الخرجة إنّما هو تمهيد وتوطئة لما سيدور في خلد القارئ، وهذا دليل على أنّ المعنى كثيف، عميق، ويفترضُ تدبّراً، وتأمّلاً، ولربّما نقاشاً لما يفترضه من تعدّد دلالي (Polysémie) ولكي يكون المعنى هكذا، فلا شك أنّه وليد لغة مكثفة أيضاً، لأنّ النتيجة من جنس العمل. وكثافة اللّغة لا تأتي من عدم، بل هي نفسها وليدة ضروب بلاغية، من مجاز، واستعارة، وكناية. وإضمار، وحذف، وتقديم وتأخير، شريطة ألا يكون التّكثيف غاية في حدّ ذاته، بل هو خاصية كبقية خواص هذا الفنّ المُجمل الصَّعب. وتبقى قولة فيثاغورس عمدة في ذلك: "لا تقل القليل بكلمات كثيرة، بل الكثير بكلمات قليلة".
ـ يصرّ بعضهم على اعتبار القصصية أول ركن بنائي في حين يرى الآخر الحكائية، فهل ترون فروقاً بين المصطلحين، وأيهما ترونه الأنسب؟
ــ بعضهم يجعل "القصصية" و"الحكائية" شيئاً واحداً، وفي حقيقة الأمر، (القصصية) مرتبطة دلالياً باللّغة، فنقول: لغة قصصية. تمييزاً لها عن اللّغة المباشرة، أو العادية، أو المعيارية، باعتبار أنّها لغة فنّية، وظيفية، متميّزة، أمّا الحكي أو الحكائية فهي وليدة اللّغة القصصية وما تعبر عنه، فلا حكي بالمفهوم الفنّي في غياب اللّغة القصصية، ولا قصّة في غياب أحد الركنين البنائيين: لغة القصّ والحكي. فهما معاً مصطلحان متكاملان. الفصل بينهما، كجعل طائر يحاول الطّيران بجناح واحد، وما رأينا طائراً يفعل ذلك! هذا من حيث التفصيل وإلا، الرّكن الأساس هو الحكي باعتبار لا حكي بدون لغة خاصّة هي لغة القص.
ـ هل ترون تمايزاً بين لغة القصة الكلاسيكية والحداثية؟ وما لغة القصّة القصيرة جداً؟
ــ اللغة القصصية متميزة، ومختلفة عموماً. لأنّ لها خصائصها التّواصلية، والفنّية، وقد تطوّرت كثيراً عما كانت عليه في القصّة الكلاسيكية، والسّبب في ذلك تنوع لغات الأجناس الأخرى واستفادة بعضها من بعض، وما دمنا بصدد القصّة القصيرة جداً فلغتها أصبحت تلميحية، إيمائية أسوة بلغة الشّعر، أو ما يُشاكل ذلك، تركز على ذاتِ الفعلِ وذات الحالِ، وِفقَ تنظيم ترميزي شفري، وتوحّد مُعجمي، صوتي، صرفي، يجعل النّص قابلاً للتّحميل الدّلالي، ويُفسح المجال للتّخييل الشّاعري، إلا أنّ بعضهم بالغ في نسج اللّغة وفق الإمكانات التي تجعلها قصصية، وذلك منْ لغة حكي قابلة للتّأويل.. إلى لغة غرائبية (Instinctif) تعتمد الجمل المتقطّعة، المُبهمة، والكتابة الشذرية، فتحتجب عن النّص معالم القصّة: من حدَث، وعقدة /حبكة، ومفارقة، بله الخرجة، فيصبح النّص يعني أي شيء إلا أن يكون قصّة.
ــ يرى بعضهم أن الجراءة ركن من أركان القصّة القصيرة جداً، في حين يراها البعض تقنية من التقنيات، فما رأيكم؟ وكيف تفندون ذلك في مخالفة الرأي الآخر؟
ــ الفنّ عموماً بدون جُرأة ليس فنّاً.. بل هو عمل عادي. الجرأة عامل أساسي في خلق المُفاجأة والصّدمة، وفي إحداث المُفارقة، وفسح مَجال الخرجة، والجُرأة تكونُ في اقتحام المَسكوت عنه، وإثارة القضايا الشّائكة، وطرق الثيمات الآنية، إنّ عدم توظيف جرأة فنّية معناه المكوث في رحاب (كان يا ما كان) والنّمطية الكلاسيكية، واجترار ما في التآليف القديمة.. ولا سبيل للحديث عن نصوص حداثية، وبذلك، فالجرأة رهينة بالفن عموماً، وليس القصّة القصيرة جداً فقط.
ـ يتردد مفهوم الثنائية اللغوية في بعض الدراسات الخاصّة بالقصّة القصيرة جداً، ماذا تقولون بالمصطلح وهل هو من الأركان أم التقنيات، أم أنه لا يمتلك قيمة نقدية في هذا الفنّ؟
ــ لغة القصّة القصيرة جداً يستحسن أن تكون باللّغة العربية الفصحى، ليتمكن كلّ مواطن عربي من فهم النّص، والتّعامل معه، أمّا إذا كان النّص خليطاً بين عربي وعامي ولو على صعيد الحوار.. فاللهجات العربية مختلفة، وأحياناً تكون محلية/إقليمية تخص جهة من القطر العربي. فيصبح الفهم مُعضلة حقيقية، وعموماً يبقى الازدواج اللّغوي مجرّد تقنية. ينبغي ألا يطغى توظيفه، وحبذا أن يوظف عند الضّرورة فقط، كأن لا يجد القاص كلمة تعبر عمّا يريد إلا كلمة من العامية، خاصة في الحوار.
- من الملاحظ وجود نشاط مميز لمقاربات هذا الفن، فما رأيكم بما ينشر على صفحات التواصل والكتابات الورقية؟ وما تجريه بعض المجموعات من مسابقات بخصوص الفنّ؟
ــ في الحقيقة، لست مطمئناً كامل الاطمئنان لما ينشر في صفحات التّواصل. بل أحياناً كثيرة أشعر بضيق كبير وأنا أقرأ بعض النّصوص. ويؤسفني جداً ما يعقبها من عبارات الإعجاب والاستحسان المجانية وغير المسؤولة التي لا تستند إلى ذوق فنّي، أو معرفة بخصائص هذا الفن. الشيء الذي يثير مخاوفي. فلا القاص في المستوى ليكتب نصاً قصصياً، ولا القارئ في المستوى فيرمي كلماته الإعجابية كما اتّفق. فيعتقد بعضهم الآخر الذي لم يجرؤ على التّعليق أنّ التعليقات تحدّد وتزكي معالم القصّة القصيرة جداً الحقيقية. فإذا كتب فسيكتب مقلداً نصاً ليس بقصّة فيتكرّر الإثم في غياب النّقد.. يؤسفني أن أقول هذا ولكنّه الواقع المرير.
أمّا المجموعات والمسابقات، فمن خلال متابعتي تبين لي أنه ما دام ليس هناك نقاد ونقد بمعنى الكلمة.. مختصين في هذا الإبداع الجميل فسيصبح من العسير الحديث عنها وعن مسابقاتها؛ لأنّ القاص المبتدئ ينبغي أن يستفيد من توجيهات نقدية مجدية، وإن فاز نصه في المسابقة أن يفوز عن جدارة واستحقاق، وأن يُقدَّم للقراء تحليلاً مفصّلاً عن النّص، يكشف أحقيته بالفوز، أمّا أن تعلن النتائج: فلان الرتبة الأولى، وفلان..
تكون الأمور غير جادة، إن لم أقل اعتباطية، بل أكثر من ذلك قد تخلق نوعاً من الغرور لدى بعض المبدعين المبتدئين.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق