كريم صبحي علي: الباعة الجائلون والعمالة الموسمية وغير المُنتظمة - باث أرابيا patharabia

Last posts أحدث المواد


3/05/2023

كريم صبحي علي: الباعة الجائلون والعمالة الموسمية وغير المُنتظمة

مشاهدة
كريم صبحي علي

والبحث عن الدخل المادي الثابت والأمان الوظيفي

 كريم صبحي علي *


من المُتعارف عليه أن يوم الجمعة هو يوم العطلة الرسمية في غالبية الدول العربية وعندما يأتي يوم الجمعة من كل أسبوع وهو يوم العطلة الرسمية حينها يقوم الأب، وهو الرجل المسؤول عن الأسرة، بأخذ أبنائه وزوجته والخروج إلى التنزه وزيارة الحدائق العامة والمُتنزهات والأماكن الترفيهية والمولات وغيرها من الأماكن العامة من أجل إسعاد الأسرة والترويح عن النفس ونسيان ضغوط وأعباء الحياة المادية والمالية وأيضاً من أجل نسيان مشاكل وضغوطات العمل والتي تتراكم على نفسية الشخص طيلة الأسبوع، وبالتالي فقد أصبح يوم الجمعة من كل أسبوع هو المُتنفس الوحيد لأي أسرة عاملة في الوطن العربي.

 ومن المؤكد أن خروج يوم الجمعة هذا لا بُد أن تصطدم فيها أنت وأسرتك بأحد الباعة الجائلين والذين أصبحوا مُنتشرين كالنار في الهشيم في جميع المواصلات والأماكن العامة يبحثون عن لقمة العيش عن طريق بيع مُنتجات وسلع بسيطة جداً منها مثلاً السلع الغذائية كالحلويات والأطعمة والوجبات السريعة ومنها أيضاً الملابس والأحذية وأدوات النظافة الشخصية وألعاب الأطفال وغيرها الكثير والكثير من السلع والبضائع بكل أشكالها وأنواعها وبأسعار وأثمان زهيدة جداً ربما لا تُسمن ولا تُغني من جوع وكل هذا فقط من أجل كسب لقمة العيش بطريقة حلال.

وما قد يُثير دهشتك أكثر من ذلك في هذا الموضوع هو أنك ستجد أن أغلبية هؤلاء الباعة الجائلين من الشباب وليس هذا فحسب بل أيضاً هناك نسبة كبيرة جداً منهم من الآنسات اللواتي في عُمر الزهور والاندهاشة الكُبرى هي أنك إذا قُمت بإيقاف أحد هؤلاء الباعة الجائلين سواء كان شاباً أو فتاة ونظرت إلى خانة المؤهل الدراسي في بطاقة الهوية فستجد أن أغلبيتهم من حملة المؤهلات العليا ومن جميع التخصصات والأقسام ككُليات التجارة والمُحاسبة والآداب بكل الشُعب وحتى أيضاً كُليات ومعاهد النُظم والمعلومات! وهنا عليك أن تسأل نفسك سؤالاً مهماً جداً وهو لماذا قد يقبل شاب أو فتاة بهذا العمل برغم حصولهم على أعلى الشهادات الدراسية؟

 قبل أن أجيب عن هذا السؤال فلنتفق أولاً بأن أي عمل شريف ويهدف إلى كسب لقمة العيش بطريقة حلال فهو لا يُعيب ولا ينتقص من صاحبه أبداً مهما كان نوع هذا العمل طالما هو عمل شريف ومقبول اجتماعياً وأخلاقياً ودينياً فلا يمكن أن يمسه أي عيب أو أي سوء، وبالنسبة لسؤالي عن قبول الشباب العمل باعة جائلين برغم حصولهم على المؤهلات الدراسية العليا فإجابتي هي البطالة والتي أصبحت وللأسف الشديد مُنتشرة بأرقام ونِسب عالية جداً في أغلب الدول العربية وتحديداً في الآونة الأخيرة وهذا ما دفع الشباب من حاملي المؤهلات العليا للعمل باعة جائلين.

وعندما نتحدث عن الباعة الجائلين فجدير بالذِكر أيضاً أن نذكُر ونتحدث عن العمالة الموسمية والعمالة غير المُنتظمة وهي أيضاً مُنتشرة وبنسب كبيرة في أغلب دولنا العربية وسوف تجدهم بكثرة تحت مُسمى (الصنايعية) وهُم أصحاب الحرف والصنعة اليدوية مثل النجارين والحدادين والسباكين واللحامين والبنائين وغيرهم الكثير من أصحاب هذه الحِرف ومشكلة هؤلاء أنهم إذا عملوا لمدة يوم أو يومين أو حتى أسبوع فستجد أنهم وفي مُقابل ذلك يجلسون بدون عمل لأسابيع عدة، وربما قد تصل لشهور أيضاً وبالتالي سوف تتوقف مصادر الدخل المادي الخاصة بهم فلا يستطيعون الإنفاق على أسرهم نتيجة عدم توفير فرص العمل الدائمة لهم.

وإذا بحثنا عن القاسم المُشترك بين الباعة الجائلين والعمالة الموسمية وغير المُنتظمة فسنجد أن العامل المُشترك فيما بينهم أنهم يبحثون جميعاً عن الأمان الوظيفي والدخل المادي الثابت وهنا يجب أن يأتي دور الدول والحكومات لرعاية هذه الفئات المهمة والتي أصبحت جزءاً لا يتجزأ من نسيج المُجتمع العربي وبالتالي يجب أن يُوفر الأمان الوظيفي لهم وذلك عن طريق نقاط عدة مُهمة من وجهة نظري وهي كالآتي:

أولاً: يجب أن تقوم الدولة بإنشاء نقابة خاصة بالباعة الجائلين ونقابة خاصة بالعمالة الموسمية (الصنايعية) لاحتواء هذه الطاقات العاملة من قِبل الدولة والحكومة ودمجهم في عملية التعمير والبناء الوطني حتى لا تستغلهم قوى الشر والظلام والتطرف والإرهاب الأسود في العمليات التخريبية والإرهابية ضد المُجتمع ولذلك يجب أن تحتويهم الدولة بالكامل ليعملوا تحت ناظريها ورعايتها وظلها قبل أن تلتقطهم أيادي التطرف والإرهاب الأسود.

ثانياً: يجب توفير أزياء موحدة ومُخصصة لأوقات العمل فقط وتسليم تلك الأزياء عن طريق النقابات الخاصة بكل من الباعة الجائلين والنقابات الخاصة بالعمالة الموسمية (الصنايعية) حتى أشعُر، أنا كمواطن يسير في الشارع، بالأمان عندما أشاهد أي بائع متجول يرتدي الزي الرسمي والموحد من قِبل النقابة الخاصة به وبالتالي أستطيع أن أتعامل معه وأشتري منه بضاعته وأنا مُطمئن مرتاح البال بأنه يعمل تحت سمع وبصر الحكومة والدولة وذلك أيضاً ينطبق على الصنايعية فعندما أقوم بطلب أي صنايعي لأي عمل ما وأجده يرتدي الزي الرسمي الخاص به فسيطمئن قلبي أيضاً إلى ذلك الشخص وأستطيع حينها أن أدخله إلى بيتي بكل أمان لأنه مُسجل في نقابة رسمية تحت بصر وسمع الدولة والحكومة.

ثالثاً: يجب إدخال كل الباعة الجائلين وكل الصنايعية المُسجلين في النقابات الخاصة بهم تحت مظلة التأمين الاجتماعي ومظلة التأمين الصحي وبذلك سوف يشعرون بالأمان الوظيفي وضمان الحصول على معاش تقاعدي عند بلوغ سن الكبر.

رابعاً: يجب تخصيص بعض الامتيازات المُجتمعية للباعة الجائلين والصنايعية لحثهم على التسجيل في النقابات الخاصة بهم ويكون ذلك مثلاً عن طريق تخفيض نسبي لمصاريف المدارس الخاصة بأبنائهم أو توفير وحدات سكنية ذات أسعار مُنخفضة وبنظام التقسيط على سنوات عدة، أو أي امتيازات أخرى تراها الدولة والحكومة مُناسبة لحثهم جميعاً على التسجيل في النقابة الخاصة بهم.

وختاماً، أرجو أن نتكاتف جميعاً كمُجتمعات عربية لحماية هذه الفئات المُستضعفة والضائعة وإرشادهم إلى طريق العمل الآمن والصحيح لكي تتمكن الدول والحكومات العربية من توظيف هذه القوى العاملة بشكل مُناسب يعود على كل المُجتمع بالنفع والأمن والأمان.

* دبلوم فني فندقي، مصر 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق