
منيرة مرعي *
(مسابقة طرق تطوير التعليم العالي لتتناسب المخرجات مع سوق العمل)
إنَّ العلاقةَ بينَ طلبِ العلمِ والطلابِ "الهواة" علاقةٌ عابرةٌ لأنها قائمةٌ على انجذابٍ مؤقتٍ نحو فكرةٍ معينةٍ سرعانَ ما يفترُ عندما يدركُ الطرفُ الآخرُ كمَّ المسؤولياتِ والالتزاماتِ الملقاةِ على عاتقهِ والتي تخرجهُ منْ منطقةِ الراحة.
على أرضِ الواقعِ ينطلقُ المحاسبُ إلى سوقِ العملِ وهو لا يمتلكُ العقليةَ الإبداعيةَ التي تخولهُ لحلِّ المشكلاتِ الماليةِ والقيامِ بمبادراتٍ وتقديمِ خططٍ في سبيلِ تطويرِ الشركة، ويدخلُ أستاذُ اللغةِ العربيةِ الحائزِ على ماجستير من جامعةٍ يستعصي عليكَ ذِكْرُ اسمها على قاعاتٍ متباينةٍ منَ الطلابِ وهو لم يختبر مادةَ "أسسُ التواصلِ الناجح" لتحقيقِ غايتهِ بأقلِّ خسائرٍ نفسيةٍ ممكنة، أما عن الأخطاءِ الطبيةِ المؤديةِ إلى عاهاتٍ مستديمةٍ فحدثْ ولا حرج.
ومن هنا تتسعُ الفجوةُ بين بيداغوجيا التعليمِ العالي والمقوماتِ المطلوبةِ ضمنَ سوقِ العمل، لذلك يجبُ أن نسعى إلى تطويرِ التعليمِ العالي من خلال إدماجهِ بمفهومِ الاحتراف، والاحترافُ يتطلبُ الرغبةَ بالعملِ دون الحاجةِ إلى المحفزاتِ، وذلك يحتاجُ لتدابيرٍ عدة عمليةٍ ذهنيةٍ وعلميةٍ وتكنولوجية.
على الصعيدِ العملي لا بد من التخلي عن قداسةِ المنهجِ الدراسي والعملِ على تطويرِ هواياتِ الطلابِ وتدريبهم على طرقٍ لتحويلها إلى منتجٍ في سوقِ العملِ واستثماره.
على الصعيدِ الذهني لا بد من إتلافِ تلك المعتقداتِ المهترئةِ بأنكَ إن لم تكن طبيباً، محامياً، مهندساً أكلتكَ الذئاب، إذ إنَّ التفوقَ لم يعد حِكراً على مجالٍ معينٍ بل يكفي أن يتمتعَ الإنسانُ بالعقليةِ الناميةِ لكي يبدعَ في فكرةٍ انطلاقاً من شغفه.
على الصعيدِ العلمي لا بد من إبادةِ المحاضراتِ الصوتيةِ والورقيةِ؛ لكونها لا تسمنُ ولا تغني مِن جوع، واتباعِ نظامِ ورشاتِ العملِ داخلياً وخارجياً ضِمنَ سوقِ العملِ نفسهْ، للاحتكاكِ بالمقوماتِ النفسيةِ والفكريةِ المطلوبة.
أما من الناحيةِ التكنولوجية فلا بدَّ من اتباعِ نظامِ التقنين، والاكتفاءِ بمهامهِ التوظيفيةِ دونَ التعدي على اللمساتِ الإنسانيةِ المطلوبة.
كلُّ التقديرِ للذكاءِ الاصطناعيِّ ولكلِّ مشتقاتهِ الرقميةِ، إلا أنَّ هذا الاستحواذَ الكاملِ على النشاطِ البشريِّ يجعلنا نسيرُ في اتجاهِ الإنسانِ الآلي.
التقدمُ في العلمِ لا يحققهُ سوى إنسانٍ غير قابلٍ للاستعبادِ.
*طالبة ماجستير في الفلسفة الاجتماعية، لبنان
(مسابقة طرق تطوير التعليم العالي لتتناسب المخرجات مع سوق العمل)
إنَّ العلاقةَ بينَ طلبِ العلمِ والطلابِ "الهواة" علاقةٌ عابرةٌ لأنها قائمةٌ على انجذابٍ مؤقتٍ نحو فكرةٍ معينةٍ سرعانَ ما يفترُ عندما يدركُ الطرفُ الآخرُ كمَّ المسؤولياتِ والالتزاماتِ الملقاةِ على عاتقهِ والتي تخرجهُ منْ منطقةِ الراحة.
على أرضِ الواقعِ ينطلقُ المحاسبُ إلى سوقِ العملِ وهو لا يمتلكُ العقليةَ الإبداعيةَ التي تخولهُ لحلِّ المشكلاتِ الماليةِ والقيامِ بمبادراتٍ وتقديمِ خططٍ في سبيلِ تطويرِ الشركة، ويدخلُ أستاذُ اللغةِ العربيةِ الحائزِ على ماجستير من جامعةٍ يستعصي عليكَ ذِكْرُ اسمها على قاعاتٍ متباينةٍ منَ الطلابِ وهو لم يختبر مادةَ "أسسُ التواصلِ الناجح" لتحقيقِ غايتهِ بأقلِّ خسائرٍ نفسيةٍ ممكنة، أما عن الأخطاءِ الطبيةِ المؤديةِ إلى عاهاتٍ مستديمةٍ فحدثْ ولا حرج.
ومن هنا تتسعُ الفجوةُ بين بيداغوجيا التعليمِ العالي والمقوماتِ المطلوبةِ ضمنَ سوقِ العمل، لذلك يجبُ أن نسعى إلى تطويرِ التعليمِ العالي من خلال إدماجهِ بمفهومِ الاحتراف، والاحترافُ يتطلبُ الرغبةَ بالعملِ دون الحاجةِ إلى المحفزاتِ، وذلك يحتاجُ لتدابيرٍ عدة عمليةٍ ذهنيةٍ وعلميةٍ وتكنولوجية.
على الصعيدِ العملي لا بد من التخلي عن قداسةِ المنهجِ الدراسي والعملِ على تطويرِ هواياتِ الطلابِ وتدريبهم على طرقٍ لتحويلها إلى منتجٍ في سوقِ العملِ واستثماره.
على الصعيدِ الذهني لا بد من إتلافِ تلك المعتقداتِ المهترئةِ بأنكَ إن لم تكن طبيباً، محامياً، مهندساً أكلتكَ الذئاب، إذ إنَّ التفوقَ لم يعد حِكراً على مجالٍ معينٍ بل يكفي أن يتمتعَ الإنسانُ بالعقليةِ الناميةِ لكي يبدعَ في فكرةٍ انطلاقاً من شغفه.
على الصعيدِ العلمي لا بد من إبادةِ المحاضراتِ الصوتيةِ والورقيةِ؛ لكونها لا تسمنُ ولا تغني مِن جوع، واتباعِ نظامِ ورشاتِ العملِ داخلياً وخارجياً ضِمنَ سوقِ العملِ نفسهْ، للاحتكاكِ بالمقوماتِ النفسيةِ والفكريةِ المطلوبة.
أما من الناحيةِ التكنولوجية فلا بدَّ من اتباعِ نظامِ التقنين، والاكتفاءِ بمهامهِ التوظيفيةِ دونَ التعدي على اللمساتِ الإنسانيةِ المطلوبة.
كلُّ التقديرِ للذكاءِ الاصطناعيِّ ولكلِّ مشتقاتهِ الرقميةِ، إلا أنَّ هذا الاستحواذَ الكاملِ على النشاطِ البشريِّ يجعلنا نسيرُ في اتجاهِ الإنسانِ الآلي.
التقدمُ في العلمِ لا يحققهُ سوى إنسانٍ غير قابلٍ للاستعبادِ.
*طالبة ماجستير في الفلسفة الاجتماعية، لبنان
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق