عماد حسني: وَصِيَّةٌ إِلَى ابْنِي - باث أرابيا patharabia

Last posts أحدث المواد


3/14/2023

عماد حسني: وَصِيَّةٌ إِلَى ابْنِي

مشاهدة
عماد حسني

عماد حسني *

أَيْ بُنَيَّ: إِنَّنِي لَمْ أَبْلُغْ مِنَ الْعُمْرِ مَبْلَغاً، كَمَا لَمْ أَنْزِلْ مِنَ الدُّنْيَا مَنْزِلاً، وَلَكِنْ بَلَغَ مِنِّي الْوَهَنُ مَا يَبْلُغُ بِمَنْ يُوْشِكُ أَنْ يَنْزِلَ بَهِ الْمَوْتُ، وَيَصِيْرُ إِلَى دَارِ الْحَقِّ، وَيَسِيْرُ عَنْ دَارِ الرِّقِّ، تِلْكَ الَّتِي اسْتَعْبَدَتْ أَهْلَهَا، وَأَنْكَرَتْ أَبْنَاءَهَا وَدَنَّسَتْ أَرَضَهَا، وَشَوَّهْتَ سَمَاءَهَا حَتَّى يَكَادُ الْعَاقِلُ يَقُوْلُ: يَا لَيْتِنِي مِتُّ قَبْلَ هَذَا وَكُنْتُ نَسْياً مَنْسِيّاً؛ لِمَا طَالَعَ مِنْ فِتَنٍ تَجْعَلُ الْحَلِيمَ حَيْرَانَ.

أَيْ بُنَيَّ: أُدْنُ أُوْصِكَ؛ اتِّقِ اللهَ أَيْنَمَا كُنْتَ، وَلَا تَغُرَّكَ نَفْسُكَ الأَمَّارَةُ بِالسُّوْءِ، حَتَّى وَلَوْ أَثْنَى عَلَيْكَ أَهْلُ الأَرْضِ قَاطِبَةً؛ فَإِنَّكَ أَعْلَمُ بِمَا اكْتَسَبَتْ يَدَاكَ، قَالَ تَعَالَى (بَلِ الإِنْسَانُ عَلَى نَفْسِهِ بَصِيرَةٌ وَلَوْ أَلْقَى مَعَاذِيْرَهُ). إِيَّاكَ وَقُرَنَاءَ السُّوْءِ؛ فَالْمَرْءُ عَلَى دِيْنِ خَلِيْلِهِ، وَلَا يَزَالُ الصَّدِيْقُ بِصَدِيْقِهِ حَتَّى ينْجِيَهُ أَوْ يُرْدِيَهُ، اغْتَنِمْ دَهْرَكَ فِي مَا يَعُوْدُ بِالنَّفْعِ عَلَيْكَ وَعَلَى دِيْنِكَ، وَلَا تُنْفِقْ سَاعَةً مِنْ نَهَارٍ فِي غَيْرِ طَائِلٍ، وَلَا تَرْجُ حِلّاً فِي حَرَامٍ، وَلَا خَيْراً مِنْ لِئَامٍ؛ إِذْ لَا تَفِيَضُ الْبِيْدُ بِالْمَاءِ، وَلَا يُرْجَى مِنَ الشَّوَكِ الْفِرَاءُ، رَوِّحْ عَنْ نَفْسِكَ إِنْ هِيَ مَلَّتْ لَكِنْ بِلَا تَبْذِيْرٍ وَلَا تَحْرِيْمٍ، وَالْتَزِمِ الْقَصْدَ فِي كُلِّ أُمُوْرِكَ؛ فَإِنَّ ذَلَكَ أَدْعَى لِاتِّزَانِ بَدَنِكَ، وَاسْتِقَامَةِ نَفْسِكَ.

بُنَيَّ الْحَبِيْبَ: إِنَّمَا حَمَلَنِي عَلَى الرَّحِيْلِ عَنْكَ وَالضَّرْبِ فِي الْأَرْضِ أَنْ أُوَفِّرَ لَكَ لُقْمَةَ عَيْشٍ كَرِيْمَةٍ، فَهَوِّنْ عَلَيكَ وَعَلَيَّ وَسَلِّ هَمَّ أَبِيكَ، وَلَا تَجْعَلْ بِكَلِمِكَ الَّذِي يُشْبِهُ طَعَنَاتِ الْخِنْجَرِ الْمَسْمُوْمِ رَغْمَ حَدَاثَةِ سِنَّكَ ـ أَطَالَ اللهُ عُمُرَكَ ـ وَعَدَمِ نُضْجِ عَقْلِكَ هَمَّهُ هَمَّيْنِ؛ هَمَّ الْغُرْبَةِ وَهَمَّ الْخَوْفِ عَلَيْكَ؛ فَإِنَّ الْوَلَدَ فِي حَيَاةِ الْوَالِدِ كَالرُّوْحِ لِلْجَسَدِ، وَوَاللهِ يَا بُنَيَّ: لَقَدْ كَانَ لِي أَبَوَانِ يَخَافَانِ عَلَيَّ وَلَمْ أَكُنْ أُدْرِكَ سِرَّ خَوْفِهِمَا حَتَّى رَزَقَنِيَ اللهُ إِيَّاكَ فَعَلِمْتُ الْيَوْمَ مَعْنَى الْأُبُوَّةِ الَّتِي كُنْتُ جَاهِلَهَا أَمْسِ إِذْ تَلَاشَى مَعَهَا الْإِحْسَاسُ بِلَذَّاتِ النَّفْسِ إِلَّا مَا تَلَذُّ أَنْتَ.

بُنَيَّ الْحَبِيْبَ: اعْلَمْ أَنَّ سِنِيَّ الْعُمْرِ تُشْبِهُ حَبَّاتِ الْعُقْدِ يُوْشِكُ، إِنْ ذَهَبَتْ إِحْدَاهُنَّ، أَنْ تَذْهَبَ أَخَوَاتُهَا؛ فَإِنْ كَبَوْتَ فَانْهَضْ مِنْ كَبْوَتِكَ سَرِيْعاً تَنْجُ مِنْ السِّيَاطِ سِيَاطِ أَلْسِنةِ النَّاسِ؛ فَالْجَوَادُ الْأَصِيْلُ إِنْ يَكْبُ يَنْهَضْ سَرِيْعاً، وَلَا تُكْثِرِ الْبُكَاءَ عَلَى اللَّبَنِ الْمَسْكُوْبِ، وَلَا تَبْكِ الْمَجْدَ الضَّائِعَ؛ فَإِنَّ صُنْعَكَ هَذَا لَا يَرُدُّ قَضَاءً، وَلَا يَدْفَعُ قَدَراً، وَلَا يُرْجِعُ مَاضِياً، وَلَا يَصْنَعُ مُسْتَقْبَلاً، وَإِنَّمَا اسْتَعِنْ بِاللهِ وَتَدَارَكْ مَا فَاتَكَ وَاعْلَمْ أَنَّ مَا أَصَابَكَ لَمْ يَكُنْ لِيُخْطِئَكَ، وَمَا أَخْطَأَكَ لَمْ يَكُنْ لِيُصِيْبَكَ، وَرِفْقاً بِنَفْسِكَ وَبِالنَّاسِ؛ فَإِنَّ مَا تُنْكِرُهُ الْيَوْمَ قَدْ فَعَلْتَهُ أَمْسِ أَوْ سَتَفْعَلُهُ غَداً.

* بكالوريوس أدب عربي، مصر

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق